حلوى مسمومة
| حسن م. يوسف
نعم، «بعض الظن إثم» هذا كلام كلي الصحة في كل زمان ومكان، لكن ما لا شك فيه هو أن البعض الآخر من الظن ليس إثماً، وقد أكد لنا سلفنا الصالح صحة هذا الاستنتاج إذا قال بصريح العبارة: «إذا فسد الزمان فإن سوء الظن من حسن الفطن» وبما أن الزمان مطلق ولا يمكن أن يفسد فالمقصود بالعبارة هو نحن «أهل الزمان». وتؤكد التجارب المرة والزنخة التي تتحفنا بها الحياة على الطالعة والنازلة أننا فسدنا وأفسدنا زماننا أيما فساد!
من المعروف أن المؤامرة هي خطة سرية يدبرها فرد أو جماعة، بهدف تحقيق مصالح خاصة أو إيقاع أضرار بأشخاص أو دول أخرى. وقد درجت العادة في ربوعنا أن نقمع التحليل العميق والتفكير خارج الصندوق بإحدى عبارتين، فإن كان المتحدث متديناً قال لك: «إن بعض الظن إثم» وإن كان متعلماً رشقك بعبارة: «هذه نظرية المؤامرة».
لا أحد يعرف من هو الفهلوي الذي نحت مصطلح «نظرية المؤامرة» لكن أول من استخدمه هو الكاتب الأميركي جيمس بينيتون في كتابه «أصول العقلية التآمرية» الذي صدر عام 1964.
صحيح أن بعض المرضى المصابين بداءي (الكسل) و(تضخم الأنا) يختلقون أغرب قصص التآمر عليهم لتبرير فشلهم، وقد باح شخص من هذه الماركة للكاتب الساخر غور فيدال بأن هناك مجموعة تتآمر عليه، وطلب منه أن ينصحه بما يفعل، فأجابه بعبارته الشهيرة: «أنصحك بالانضمام للمتآمرين»!
غير أن مصطلح «نظرية المؤامرة» غالباً ما يستخدم لإلقاء ظلال من الشك على المؤامرات الحاصلة فعلاً. والحقيقة هي أن أفظع مؤامرة في الوجود هي تبرير كل ما يحدث لنا وحولنا بـ(نظرية المؤامرة).
قبل بضعة أيام تلقيت من أحد أصدقائي الافتراضيين ذوي النيات الطيبة رسالة غريبة مفادها أنه قد (عثر) على مؤتمر عن السرد القصصي، ولاحظ أن ذلك من اختصاصي، لذا قرر أن يدعوني للمشاركة، كي نترافق. وبما أنه لا يمتهن الكتابة فقد أبلغني أنه قد تقدم بطلب المشاركة بصفته ناشطاً اجتماعياً.
صحيح أن ذلك الصديق قد أرفق دعوته مع رابط عنوانه (سافر إلى النمسا 2025 مجاناً واحصل على تذاكر الطيران) إلا أنني قرأت المكتوب من عنوانه ولم أكلف نفسي مشقة فتح الرابط، سألت ذلك الصديق أين سيعقد ذلك المؤتمر ظناً مني أنه سيقام في إحدى المدن السورية، والحق أنني فوجئت عندما أجابني أن المؤتمر سيقام في مدينة سالزبورغ بالنمسا! سألته عما إذا كان مقيماً في النمسا فدهشت عندما أبلغني أنه مقيم في طرطوس! سألته: «وما الذي يأخذنا أنا وأنت إلى النمسا؟» أجابني أنه «مكتوب في الرابط أنهم يتحملون تكاليف البطاقة والإقامة».
عدت للرابط فوجدت أن كلامه صحيح، قلت له: « يا سيدي هذا عرض أكثر من غريب»، فكتب لي موافقاً «الله يسترنا».
أظن وهذا الظن من حسن الفطن، أن الهدف من هذا المؤتمر هو تجنيد الجواسيس بالدرجة الأولى، فقد علمتني الحياة أن الحلوى التي يوزعها الغرباء مجاناً إما أن تكون منتهية الصلاحية وإما مسمومة!