ثقافة وفن

رفع كفاءة الأرشيفات لدى 330 جهة حكومية وفق منهجية علمية … مدير البحوث في دار الأرشيف والمكتبة الوطنية في أبو ظبي لـ«الوطن»: معمل الترميم لدينا ذو كفاءة عالية والرقمنة في أعلى مستوى

| الشارقة- إسماعيل مروة

الأرشيف والمكتبة الوطنية تمثل ذاكرة للإمارات ووثائقها وتاريخها، الرسمي والتراثي والأدبي والفكري، جمع الوثائق من كل أصقاع العالم ليوفرها للباحثين، وهذا الأرشيف كان بجهود كبيرة منذ تأسيس دولة الإمارات، واستمر تطوير فكرة الأرشيف حتى صار مؤسسة وطنية لها أصولها الراسخة ورسالتها العلمية والوطنية التي لا يستغنى عنها.

«الوطن» التقت على هامش معرض الكتاب الدولي في الشارقة الأستاذ حمد الحميري مدير البحوث في دار الأرشيف والمكتبة الوطنية في أبو ظبي الذي تحدث عن تاريخ المؤسسة وحاضرها.

حدثنا عن المؤسسة وتاريخها

تعتبر هذه المؤسسة من مؤسسات الذاكرة وانطلقت منذ عام 1968 على يد الشيخ زايد المغفور له، وكان الغاية منها حفظ الإنتاج المعرفي لدولة الإمارات، وكذلك حفظ المعاهدات الدولية الشقيقة والأجنبية وعقود وامتيازات النفط منذ البداية، فكان منوطاً بها الحفاظ على الجهد المعرفي، وقد تطورت المسؤوليات بجهود وتوجيهات أحمد بن خليفة السويدي الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية لدولة الإمارات، حيث قام برفع كفاءة المؤسسة ودمجها مع الديوان الأميري في تلك الفترة إلى أن أصبحت مركزاً للدراسات والبحوث الوطنية، وكان يهتم بجمع كل ما يتعلق بدولة الإمارات من مختلف المؤسسات البحثية على مستوى الشرق الأوسط أو العالم كله، وقد اتجه إلى الدول كافة، ودول الخليج وبريطانيا والهند، وتمكن الأرشيف في تلك الفترة أو مركز البحوث والدراسات من جمع كل ما كتب عن الإمارات من الأرشيف الأمريكي والفرنسي والبرتغالي والإسباني والفارسي وكل ما كتب في الأرشيفات العربية، فكان مصدراً مهماً للباحثين والمهتمين بالكتابات التاريخية والسياسية، كما كان الأرشيف بصدد جمع كل ما تعلق بإسهامات الشيخ زايد المغفور له من صور ومؤلفات وفيديوهات وإرث يتناول فترة توليه الحكم، وفي عام 2014 تطور الشيء فأصبح اسمه الأرشيف الوطني، ثم في 2021 صار الأرشيف والمكتبة الوطنية على غرار الممارسات الكندية والسنغافورية بدمج مؤسسات الذاكرة في مكان واحد، وكانت الميزة المهمة بدمج المؤسسة مع الأرشيف والمكتبة الوطنية من خلال وصول الباحث لمصادر المعلومات عن طريق مؤسسة واحدة وهي الأرشيف والمكتبة الوطنية، والبذرة الأساسية جاءت من مكتبة تسمى مكتبة الإمارات وحملت في طياتها الكثير من الكتب عن الإمارات ومجلس دول التعاون وتحديداً المراجع الأرشيفية إلى أن باتت مكتبة تهتم بالتراث والوثائق والمخطوطات التي تهم المنطقة بشكل عام.

• هل توسع ليشمل قضايا فنية وأدبية وتراثية خاصة بالإمارات بعد استكمال الجانب السياسي؟

حالياً نقوم بجهود رفع كفاءة الأرشيفات لـ330 جهة حكومية وفق منهجية تحدد ذلك، ويقوم بالإشراف على شبكة المطالعة العمومية وتفعيل الإيداع القانوني وتنظيم الفهارس الموحدة للمكتبات، وذلك في سبيل الحفاظ على التراث المعرفي للإمارات.

وكذلك هنالك معمل خاص بالترميم ذو كفاءة عالية يمكن من خلاله ترميم الصور والصفحات المهترئة والمخطوطات، ولدينا معمل للرقمنة أيضاً فيتم تحويله إلى إلكتروني، وبعد ذلك يتاح في مستودعات إلكترونية، فهي جهود متكاملة لرحلة المخطوطة، كذلك اتجه الأرشيف إلى بناء مجموعات وطنية، حيث لم يكن في السابق اهتمام بأرشفة الإنتاجات الفكرية الوطنية، فهناك لجنة يشرف عليها الأرشيف الوطني برئاسة محمد المر تقوم بجمع المجهودات الوطنية من مؤلفات أدبية بالمسرح والسينما والشعر والأدب، ما يسهم في حفظ ذاكرة هذا الوطن للمستقبل، كما تقوم المؤسسة بإنتاج الكثير من الدوريات والمجلات والمنشورات ومطبعة خاصة بالأرشيف وخدمات للترجمة والنشر والبحوث ما يسهم في تناول هذه الكميات الضخمة من البيانات المتاحة في الأرشيف والمكتبة الوطنية. بإمكان الباحثين والمهتمين الوصول إلى المعلومات المتاحة من خلال إنشاء الأرشيف الوطني للخليج العربي، وهو عبارة عن مليون وثيقة من الأرشيفات البريطانية التي تتناول الموضوعات المتعلقة بمنطقة الخليج والمعاهدات والصور وكل ما تم خطه آنذاك خلال الفترة الاستعمارية في المنطقة، فتم توفير ذلك في منصات متاحة وتمت ترجمتها كذلك، فمن يرغب بالوصول إلى زيارة الملكة إليزابيث لدولة الامارات على سبيل المثال، فما عليه إلا القيام بضغطة زر ووضع كلمة مفتاحية فيها كلمة إليزابيث، ليتم حصر كل ما يتعلق بتلك الكلمة من أفلام وصور واجتماعات.

• هناك أشياء تتعلق بالرحالة والسفر ومن زاروا الإمارات وما يسمى أدب الرحلات وخاصة أدب ما بعد الاستقلال، ماذا عن ذلك؟

واحدة من البعثات التي كانت موجودة هي بعثة دار الهلال المصرية، وهي بدأت من الكويت وانتهت بسلطنة عمان، في 1968 في أبو ظبي تم إجراء استطلاع لتلك المنطقة وقام الكثير من الأهالي بأخذهم إلى الظفرة وشاهدوا الحياة البدائية في تلك الفترة وبوادر النهضة بعد ظهور النفط، والحقيقة ما لمسوه حينها كان طبيعة خصوصية الساحل المتصالح والخليج العربي الذي لم يتأثر بظهور النفط، ولكن الجميل كان تدوين الحقيقة وبداية الحياة الاجتماعية وطرق المواصلات والقوافل القديمة والكثير من تفاصيل الحياة الاجتماعية.

• وماذا عن أم كلثوم والإمارات وزيارتها؟

جاءت أم كلثوم وأحيت ليلتين في أول عيد اتحاد، الأولى بحضور الشيخ زايد والثانية بحضور الشيخ خليفة بن زايد ومن قام بإعداد هذه المادة كان محمد المر الذي حرص بأن يقوم بإخراج هذه المادة من المواد الموجودة بالأرشيف والمكتبة الوطنية، فالدعوة التي وجهت لأم كلثوم والأغنيات التي غنيت في الليلتين وترتيب المنصة والدعوات والاستقبال والتوديع وجميع تفاصيل تلك الزيارة جميعها كان مهتماً بها محمد المر، وجميع ذلك يدل على أن الحركة الفنية كانت حاضرة في بدايات الاتحاد.

• بصفتك مديراً للبحوث، بيّن أهمية وجود هذه المؤسسة في التراث الشفاهي واللامادي؟

أهم ما تقوم به المؤسسة هو حفظ التراث الثقافي لدولة الامارات، فلدى الغرب نجد جهوداً كبيرة لحفظ كل ما يتعلق بالأسرة والمؤسسات بشكل دقيق وكأنهم سيعودون إليه في يوم ما، ونحن في الشرق الأوسط بوجه عام لا يوجد لدينا هذه الممارسات، وحفظ الإنتاج الفكري لأي مؤسسة مهم جداً لإبقاء هذا الإرث للأجيال القادمة، وهناك شواهد على ما مر خلال تلك العصور، والتراث المادي واللامادي الذي يشهد على الحضارة التي تواجدت على هذه الأرض، هنالك أيضاً نزاعات دولية على سبيل المثال تحتاج إلى وثائق إثبات عن ذلك، فنحن نقوم بحفظ الوثائق والمرويات، فالتراث الشفاهي لدينا يتجلى في سلسلة متواصلة نقوم بإصدارها من خلال المرويات، وذاكرة كبار المواطنين مهمة جداً وهي شاهدة على العصر، ونقوم بالاحتفال بمؤتمر دولي سنوي بأكاديميين ومهتمين بالروايات والتدوين وبممارسات تسجيل الأحداث وحفظها وإتاحتها وحقوقها وما إلى ذلك، وبعد تلك المؤتمرات نقوم بنشر تلك التجارب، ونحن في البدايات قمنا بمقارنات مع جامعات أميركية بوضع الأسس الأولية لبدايات السياسات الخاصة المعمول بها للتسجيلات المروية للروايات الشفاهية ثم قمنا بتمثيل الدولة على مستوى آسيا، والآن بات لدينا نضج كبير وآلاف المقابلات الشفاهية من ذاكرة كبار المواطنين تشهد على ذاكرة حية في فترة الاتحاد وما قبل الاتحاد والكثير من القضايا الخاصة بالعادات والتقاليد والموروث والشعر والأدب والنثر وغيرها.

وكذلك يقومون بمنحنا بعض المقتنيات لتضمينها ضمن الدراسة سواء كانت صوراً مع المغفور له الشيخ زايد أم بعض الحرف التي يقومون بالعمل عليها وما إلى ذلك.

• التفكير الماضي كان يجد حرجاً في بعض الوثائق مع العلم أنها وثيقة، كيف يتم التعامل اليوم مع مصداقية هذه الوثيقة والاعتبار منها؟

في الحقيقة نجد أن هذه الوثيقة أداة لتدعيم مصادر تدعم بحث المؤلف، فكل وثيقة نقوم بحفظها بالأرشيف الوطني تأتي من المصدر، لأن هذه الوثيقة تعد تاريخية، فعلى سبيل المثال مع المؤسسات الحكومية نتعاون معهم بترحيل ما يعد تاريخياً فقط، وغير ذلك لا يرحل، كعمر المستند المالي وما إلى ذلك، لأنه منته بحكم القانون بعد عشر سنوات، أما تأسيس الهيئات العلمية والشهادات العلمية والمعاهدات والأمور المعنية بتوثيق شواهد تلك الفترة فنقوم بتوثيقها هنا حيث تقوم بإرشادنا بأن هذا تاريخي ونرغب بحفظه لديكم.

كلمة ختامية..

نحن في الختام نشجع الجميع على البدء بحفظ كل ما يعد تاريخياً من البيت، فكانت هناك مبادرة من الأرشيف الوطني بتوزيع علب على الأسر منذ نحو سبع سنوات وهي مبادرة أرشيفية تنطلق أساساً من المنزل وأفراد العائلة، فالأب والأم يقومان بحفظ كل ما يتعلق بالأسرة من صور وشواهد وقس على ذلك، من ثم يصبح لكل أسرة أرشيف خاص بها وننتقل بذلك على نطاق أوسع للحي والمنطقة والأوسع فالأوسع، وأيضاً نقدم خدمة تتجلى في إخبارنا من بعض الأشخاص عن وجود أحد أفراد العائلة الذي تقدم في العمر ممن يحب أن يقول أو يخبر ما لديه، فنحن نرسل من يجري المقابلة ونوثق ذلك ونرسل له نسخة عما أجريناه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن