ميونيخ.. حدود الاشتباك
| مازن بلال
كل عواصم العالم مسرح للصراع على سورية؛ ففي ميونيخ توقف مسار الترحال الدولي لساعات من دون أن يرسم افتراقاً واضحاً لأي إطار يحد من حدة الاشتباك، فالتصريحات التركية – السعودية تحكم إيقاع الحدث أكثر من أي موقف توافقي بين موسكو – وواشنطن، فالمعارك على الأرض السورية ربما لا تقف عند حدود القوة للدول المنخرطة في الحرب، بل تتجاوزها خارج إطار أي تفاهمات سابقة، وما قدمه مؤتمر ميونيخ لا يوضح الوجهة القادمة لمسار التحرك الدولي، ولا يقدم مؤشرات حول المحطة القادمة، فهل ستكون جنيف نقطة التقاء جديدة؟
السؤال الصعب في المسار السوري يرتبط بالترتيبات الإقليمية، فدول الجوار تحتجز «السوريين» في مساحة خانقة، ثم تدفعهم نحو نقطة متقدمة داخل الصراع، فالحوار السوري ممنوع في ظل هذا «الاحتجاز» والتفاوض يبقى أسير التوازنات الإقليمية تحديداً، وفي ميونيخ أصبح واضحاً أن القرار 2254 يملك هامشاً عريضاً يتيح تجاوز التصادم في الشرق الأوسط، ويمنح الدول إمكانية خلق التوازن الشرق الأوسطي من دون عوامل دولية قوية، وضمن المؤشرات فإن المجتمعين في ميونيخ استطاعوا تحقيق إدارة للصراع تمنع التدخل السعودي – التركي المباشر، لكنهم في المقابل لم يتمكنوا من «تطويع» المواقف بما يكفي للبدء بتبريد الصراع، فتم وضع «حدود للاشتباك» وهو المعنى الآخر لما ورد في البيان بـ«وقف الأعمال العدائية»، فصعوبة التوافق الإقليمي يصعب تجاوزها بشكل تقليدي، كما أن الحلول على ما يبدو ستبقى ضمن عملية «الاحتجاز» التي تمارسها أنقرة والرياض.
الحل السوري – السوري كما نص عليه قرار مجلس الأمن يحتاج لكسر معادلة «الاحتجاز» القائمة، وهو أمر يحتاج لانعطافة تركية بالدرجة الأولى، في حين شهد مؤتمر ميونيخ «صراخاً» تركياً تجاوز المألوف، ومن المستبعد أن يستطيع حزب العدالة والتنمية أن يحقق أي اختراق ضمن موقف أنقرة من الأزمة السورية، فثمن الخروج من الدائرة المغلقة سيحمل معه تفككاً في إطار الإستراتيجية التركية المعتمدة منذ بداية الأزمة، في حين على المقلب الآخر تبدو الحدود السورية – التركية إطاراً غير قابل للتفاوض بالنسبة لواشنطن على الأقل، فمع وجود داعش سيبقى حزب الاتحاد الديمقراطي هو الحل العملي لمواجهة أي تمدد محتمل لداعش، فالدائرة مغلقة بالنسبة لتركيا التي عجزت حتى الآن في رسم سيناريو جديد لنفوذها في سورية والشرق الأوسط عموماً.
طبيعة «احتجاز» السوريين ضمن الموقف التركي – السعودي هو الورقة الرابحة بالنسبة لواشنطن على الأقل، فهي تضمن بذلك مرحلة الانتظار الطويلة لظهور متغيرات إضافية تتيح قلب المعادلة القائمة على الأرض، والحسابات الجديدة يمكن أن تظهر ضمن حالة واحدة هي تجاوز السوريين لمسألة «الاحتجاز»، ورسم شراكة مختلفة رغم المعادلة الإقليمية الصعبة، فهناك على الأقل شرعية دولية للحوار ولرسم «الشراكة» التي يمكنها إرساء قواعد مختلفة في الصراع على سورية، فأي نموذج لهذه الشراكة سيغير الرؤية القائمة حول الأزمة السورية، وربما سيتيح تفكيراً دولياً وإقليمياً جديداً تجاهها.