بين التشكيل والكاريكاتور…. الفنّ روح البناء والإعمار
عامر فؤاد عامر:
إحياء للذكرى الثانية لانطلاق قناة تلاقي الفضائيّة، أقامت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون معرضاً فنيّاً برعاية وزير الإعلام «عمران الزعبي». وقد جمع المعرض لوحاتٍ فنيّة لكلّ من الفنانين «سائد سلوم» و«نضال خليل»، وذلك في دار الأسد للثقافة والفنون في الفترة الممتدة من 20 إلى 23 أيار 2015.
بين كاريكاتور وتشكيل
حملت لوحات المعرض لغةً مختلفةً، وكانت بين التشكيل والكاريكاتور، فكان لكلّ منها صالته الخاصّة، فالصالة الأولى جمعت مجموعةً من اللوحات التشكيليّة التي تحمل إسقاطاتٍ من لون الواقع الذي يمر به الوطن، فتناثرت الألوان والخطوط لتصبغ اللوحات في مسارٍ واحد يحمل حالة من التشتت والاندماج ضمن حدود اللوحة الواحدة أيضاً، وهذا الطابع الذي نلمسه في معرض الدكتور «سائد سلّوم» الذي قال في تصريحٍ خاصّ لـ«الوطن» عن اختياره مجموعة اللوحات المعروضة في هذا المعرض بالتحديد: «إن معظم اللوحات التي رسمتها خلال العامين الماضيين كانت من هذا الاتجاه نفسه، واليوم وضعناها تحت عنوان (الفنّ روح البناء والإعمار)، وأنا أريد تقديم رسالة بأن الفنّ يستطيع بناء العلاقات الإنسانية، فالأشياء الجميلة التي بتنا نفتقدها على مستوى العالم وليس فقط على مستوى سورية يمكن للفنّ فقط أن يعيدها إلى حياتنا، فلذلك سنرى في هذه اللوحات أشياء كثيرة مختلطة مخربة، فنحن في الفنّ نعيد بناءها وتركيبها لصناعة لوحة مختلفة وجديدة، وهذه الصناعة تحثّنا على إعادة البناء من جديد».
لون مرتبط بفصول السنة
لزائر المعرض الفني أيّاً كان رغبة في النظر للون الذي تتشكل منه اللوحة، وفي معرض الدكتور «سائد سلّوم» ألوانٌ خاصّةٌ، ربما حملت نوعاً من الشحوب، لكنها بُنيت بطريقةٍ هادفةٍ خدمت اتجاه المعرض بقوّة، وعن ذلك يقول: «اللون مختلف في مناطق من اللوحة عن مناطق أخرى منها، وهذا بسبب إنجازها عبر المراحل الزمنيّة التي رسمتها فيها، أي خلال سنتين، فقد مررنا بأربعة فصول في كلّ عام، وخلال سنتين كلّ منطقة في اللوحة أخذت لونها الخاصّ، بما أوجد تأثيراً على مناخ اللوحة، فمنها ما أُنجز في فصل الصيف، وفي فترة الحرّ الشديد، وهناك أقسام أُنجزت في فصل الشتاء، في فترة الثلج والبرد، ولهذا منعكسٌ على اللوحة بكلّ تأكيد، إضافة إلى أنه في الأربعة فصول بقيت هناك أشياء مستمرة، صبغت الفترة بالمجمل، ربما كانت أشياء تخريبيّة، أو هدم، أو من هذه الزاوية العدميّة التي نريد التخلص منها، فنحن نستشرف هذه العناصر ضمن هذه المناخات الطويلة وإعادة صياغتها وبنائها في صيغ جماليّة جديدة».
خصوصيّة فنّ الكاريكاتور
في القسم الآخر من المعرض، وفي حالةٍ مختلفة عن اللوحة التشكيليّة ضمن القاعة الأولى التي خصصت للعرض، كانت لوحات متناثرة من الكاريكاتير الذي جمعها الفنان «نضال خليل»، فقدم من خلالها لغة نقديّة بين سلبٍ وإيجابٍ لواقعٍ نمر به في العام والخاصّ، والداخل والخارج. وأيضاً في تصريحه لصحيفة «الوطن»، والذي بدأناه حول عنوان المعرض «الفنّ روح البناء والإعمار» يقول ومن وجة نظره كفنان كاريكاتوري: «يكون ذلك من خلال رصد السلبيّات، وهذا الرصد يعني بشكل أو بآخر الإيجابيّات، أي إن تشخيص المرض هو في الوجه الآخر اقتراح الحلول، فالفنّ له دور وظيفي في الكشف والتوضيح أو غير ذلك، وهذا الكلام ينساق على الكاريكاتور أيضاً، فتعرية الواقع هي عملية كشف بعض الظواهر على أنواعها، وهذا له دور بارز بأن من يطّلع على هذا الفنّ إن كان على مستوى من درجات القرار، وأيّاً كان موقعه يستطيع أن يتلمس الحلول، لأن الكاريكاتور، يعالج قضية، وهو ليس من فنون ترف الصالونات، فهو دائم في ترقب الحدث، وهذا يستدعي تفعيله من خلال ترجمته على الورق من خلال انفعال أو تعبير أو تعليق، فالكاريكاتور يطّلع بمجموعة من الأدوات أو التقنيات لإيصال الفكرة، وأحياناً يضطر لحوارٍ أو لتعليقٍ صغيرٍ، وأحياناً اختيار اللون أو الاعتماد على لون محدد، وهذه التفاصيل تعزز الشكل، وتعطي المتلقي مقدرة على الوقوف ومعرفة إلى أين هو سائر».
الفنّ الوظيفي
يرتبط الفنّ بالمزاج؛ فهو سبيله نحو الإبداع الحقيقي، ولكن عند ترسيخ الحالة الفنيّة بدورٍ وظيفيّ روتينيّ؛ نقع في المواجهة! وحول هذه النقطة بالتحديد وعن كيفيّة أن تتجدد اللوحة حينها بين يدي الفنان، أجاب الفنان «نضال خليل»: «أشبّه رسام الكاريكاتور برادار له قرون استشعار، يتوجّه في كلّ الاتجاهات، وعلى مدار الساعة فعّال، فيلتقط التفاصيل الدقيقة في الحياة ويرى ما بين السطور، وهذا يخلق الحالة المتجددة من العطاء أي لا يتم التكرار، أما الحالة المزاجية التي أشرت إليها فتخضع لاعتبارات معينة عندما تمارس بصورة ترفيّة، أمّا عندما تمارس وهي على التصاق بالهمّ اليومي المعيشي في الإنتاج المطلوب، فهي ستقدّم كلّ يوم شيئاً جديداً، وأنا أسعى بقوّة لتقديم هذا العطاء، وأنا ألوم البعض الذي وظف الفنّ الكاريكاتوري، فعملوه حالة من التأمّل، والاتجاه نحو الجانب الفلسفي، وهذا مرفوض رفضاً قاطعاً في الكاريكاتور فلا يمكن أن أبقى ساعتين، على سبيل المثال، في رسم وتأمّل لوحة كاريكاتوريّة».
بين تشكيليّة وكاريكاتوريّة
بالانتقال للمقارنة بين اللوحة الكاريكاتورية والتشكيلية يكمل «نضال خليل»: «ينطبق الكلام ذلك على اللوحة التشكيليّة، والتي يمكن أن تبقى سنوات، وتحمل الطابع نفسه، وهذا لا يمكن أن ينطبق على لوحة الكاريكاتور، ولكن ديمومة الكاريكاتور يمكن أن نجدها فقط في حالات إنسانية كحالة الفقر والاستغلال والقمع وغيرها، ولكن عندما نشخصنها ونوظفها باتجاه شخص محدد، فعندها ستحمل الصفة المؤقتة لأنّها ستنتفي مع زوال هذه الشخصيّات المقصودة، في حين باقي اللوحات يمكن أن تحمل صفة الديمومة، وعموماً براعة رسام الكاريكاتور تظهر بحمل التفاصيل، وإعطاء المفارقة بينها، فالحركة والتكوين والانفعال يخصّ هذا الفنّ بالذات، ويحمل لغة غير متوقعة، تجعل له خصوصيّة تجعل من الناس راغبين في متابعة هذه اللوحة».