ثقافة وفن

التاريخ الخفي للكارثة الأميركية في آسيا … الولايات المتحدة تعيد غرس حلمها من خلال جزيرة تايوان

| مصعب أيوب

كيف انخرطت أميركا في الصين خلال ازدهار تجارة الأفيون؟ولماذا لم تنجح الولايات المتحدة في التعامل الصحيح مع ثقافات آسيا الشرقية؟ ما أدى إلى كوارث كثيرة لم تكن بالحسبان، وربما كان من الممكن تجنبها وتفادي أعقابها، ومنها حربا فيتنام وكوريا اللتان نتجتا عن قرارات غير صائبة.

أمور كثيرة حول قضايا العلاقات الأميركية في الصين.

يتناولها كتاب «التاريخ الخفي للكارثة الأميركية في آسيا» الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن المشروع الوطني للترجمة بما يزيد على أربعمئة صفحة من القطع الكبير. من ترجمة د. نايف الياسين.

دبلوماسية متقاربة

لقد كان لرئيسين أميركيين من عائلة روزفلت برغم الفارق العمري بينهما النصيب الأكبر من افتتاح الطريق الذي تنهجه الولايات المتحدة اليوم في تعاملاتها مع الصين، وذلك بعد أن اتبعا دبلوماسية متقاربة في حكمهما، حيث كانا في صورة الوضع والتعامل مع شؤون الصين وشرق آسيا بصورة مباشرة وسرية، على الرغم من عدم زيارتهما لتلك المنطقة، إلا أن لديهما فكرة وافية وصورة واضحة عن آسيا وشرقها.

فقد تأثر أحدهما بالجملة الدعائية عن اليابان التي كان يوهمه بها أحد أصدقائه في جامعة هارفارد، على حين ذهل الآخر بالصين بعد أن تأثر هو الآخر بصديقه.

وقد جرت مفاوضات سرية بين الرئيس تيودور روزفلت مع إمبراطور اليابان «ميجي» بشأن التوسع في كوريا وجعلها مستعمرة يابانية.

وأشار الكتاب الذي ألفه جيمس برادلي إلى أن جد فرانكلين روزفلت «ديلانو» من أوائل الواصلين من الأميركيين إلى ما كان يعرف بالصين القديمة، وحقق ثروة كبيرة هناك من خلال تجارة الأفيون وهو ما كان جزءاً فقط من مهمة وجوده في الصين.

مستوطنات الصين الجديدة

وقد أخبرت بعض الدراسات أن فهم ـروزفلت لآسيا كان محدوداً جداً، في الوقت الذي كان فيه قلة من الطلاب والدبلوماسيين ورجال الأعمال يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة إبان قانون الإقصاء الصيني 1982، وفي الوقت ذاته كان عدد قليل من الأميركيين يزور الصين، إلا أن هؤلاء استقروا بما كان يعرف بـ«مستوطنات الصين الجديدة» التي كانت تتبنى النظام والثقافة الغربية، وعليه فكانوا يكتبون لعائلاتهم عن ذلك الازدهار والتحضر.

ويتجسد في الكتاب الذي ترجمه د. نايف الياسين التصور الأميركي لآسيا، والكارثة في ذلك التصور، فقد منع المحيط الهادئ الذي كان يفصل بين شرق آسيا والأميركيين من معرفة كلا الطرفين لبعضهما، وهو ما أدى بتعاقب السنين إلى حروب لم تكن بالحسبان وسوء تفاهم وموت الملايين وتشوه السياسات الأميركية الداخلية والسياسة الخارجية أيضاً.

أفضل صديق

ويذكر الكتاب أن أحلاماً تبشيرية بصين جديدة يسكنها الأميركان المسيحيون راحت تنتشر بكثرة، وهو ما يعززه اللوبي الصيني ويجذب أنصاراً أقوياء في الحكومة الأميركية، وبمرور الوقت أُقنعت فئة كبيرة من الأميركيين بأن صيناً مسيحية جديدة متأمركة ستزدهر بوصفها أفضل صديق لأميركا في آسيا إذا أخرجت الولايات المتحدة الجيش الياباني من الصين.

وقد كانت سياسة الصين تفيد بأن الجيش الياباني سينسحب من الصين بضغط من الولايات المتحدة بعد فرض حصار على النفط، وتلك كانت عكس ما آمن به فرانكلين روزفلت.

فمصادر النفط بالنسبة لليابان كانت تأتي من كاليفورنيا وأندونيسيا، وقد اعتقد فرانكلين روزفلت أنه إذا قطع النفط عنها سيندفع الجيش الياباني جنوباً نحو الهند الشرقية وستجر الولايات المتحدة إلى حرب لا رغبة لها فيها.

وبذلك تحقق مخطط اللوبي الصيني بأنه لا وجود لخطر إنجرار الولايات المتحدة إلى الحرب العسكرية.

يد للصداقة

وفي الكتاب أيضاً عدة قصص لمسؤولين تمكنوا من الالتفاف خلسة على رئيس الولايات المتحدة وقوضوا سياسته، وبالتالي خوض حروب غير مرغوبة كان يمكن منعها، لو أن مسؤولي الإدارة المفرطين بالثقة بأنفسهم كانوا قد أصغوا لرئيسهم بدلاً من الإصغاء للوبي الصيني.

كما يذكر برادلي أن وسائل الإعلام الأميركية صورت ماوتسي تونغ بعد وصوله للسلطة 1949 بأنه سوفييتي عدو للولايات المتحدة، وأشيع بين الجموع بأنه ليس صينياً، ليضرب الجمهور عرض الحائط بأن ماوتسي مد يد الصداقة مراراً كثيرة للخبرة الصناعية الأميركية، وأنه كان تواقاً للسفر إلى الولايات المتحدة قبل توليه السلطة بخمس سنوات من أجل مناقشة الرئيس روزفلت، إلا أن المؤمنين الأميركيين بصين جديدة قمعوا تلك المحاولة في مهدها، وعليه فقد اتجه ماوتسي تونغ إلى الاتحاد السوفييتي وتخيل الأميركيون أنهم خسروا الصين، وأعادت الولايات المتحدة غرس حلمها بجزيرة تايوان.

وقد رفضت الولايات المتحدة خلال ثلاثة عقود منذ 1949 وحتى 1979 إقامة علاقات مع أكبر بلد في العالم من حيث التعداد السكاني.

خلاصة

يشبه المؤلف كلاً من الولايات المتحدة الأميركية والصين ببالونين كبيرين ومن المرجح أن يصطدما ببعضهما، وعليه ستكون ردود الفعل نابعة من فهم كل طرف للآخر وتعاطفه معه، مؤكداً أنه على الرغم من أن كلتا الدولتين العظيمتين تتعاونان اليوم لبناء المجد والثروة، إلا أنهما تجهلان بعضهما بعضاً لدرجة كبيرة.

ويختم أن هناك حالات كبيرة من سوء التفاهم راحت تتضخم وتتصعد الخطابات بين البلدين برغم الجسر الضيق المتمثل في المحيط الهادئ، وفي الكتاب ما يحذر الناس في البلدين عبر الحكايا التي تتكشف لتعزيز قوة هذا الجسر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن