تل أبيب وواشنطن ستدفعان ثمن المذابح الإسرائيلية
| تحسين حلبي
لم تبق مؤسسة جنائية دولية أو منظمة تابعة للأمم المتحدة والقانون الدولي إلا واعترفت بقيام إسرائيل بارتكاب مذابح إبادة شعب تعرض لها منذ السابع من تشرين أول 2023 الشعب الفلسطيني ويضاف إليه الشعب اللبناني منذ ستة أسابيع، وها هو البابا فرانسيس الأول ينضم باسم الكنيسة الباباوية التي تمثل معظم المسيحيين في العالم إلى الإعلان بموجب ما جاء في وسائل الإعلام عن «ضرورة إجراء تحقيق بارتكاب إسرائيل عمليات إبادة شعب في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، ففي كتاب جديد سيوزع هذا الأسبوع صدق البابا فرانسيس على الدعوة لفرض تحقيق حول الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، ولا أحد يشك أن كل الشعوب الإسلامية في العالم وكذلك بقية شعوب آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا أكدت طوال الأشهر الثلاثة عشر التي شنت خلالها إسرائيل الحرب على القطاع بأنها جرائم إبادة شعب تنفذها إسرائيل في كل يوم، ولم يبق في حقيقة الأمر إلا حكومات الغرب الاستعمارية التاريخية التي ترفض الإقرار بما ترتكبه إسرائيل من عمليات إبادة شعب رغم أن استطلاعات الرأي تؤكد أن شعوبها تدين إسرائيل بارتكاب هذه الإبادة، وأمام هذه الحقيقة ألن يكون بمقدور هذا العالم إيقاف هذه المذابح وهل ستصمت كل شعوب العالم على التواطؤ الغربي وفي مقدمة حكوماته الولايات المتحدة؟
لم يسجل التاريخ وضعا عالميا تستمر المذابح فيه على مرأى حكوماته وشعوبه طوال هذه الفترة دون رد يوقفها، ولا ننسى أن منظمة الجنايات الدولية وهي أكبر مؤسسة أممية قانونية كانت قد أدانت إسرائيل بارتكاب مذابح إبادة شعب، ولكنها تعرضت لحرب شنتها الولايات المتحدة على رئيسها وقضاتها وهددتهم بعقوبات شخصية إذا فرضوا محاكمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ومن معه من المسؤولين، ورغم هذه الغطرسة الأميركية فإنه يوجد عدد من الحقائق التي فرضتها القوى والدول المناهضة للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط ودورها المشارك في إبادة شعب فلسطين، إن دور هذه الدول والقوى في دفاعها عن الشعب الفلسطيني بدأ يشكل أحد أهم مفاتيح زعزعة النفوذ الأميركي في المنطقة، ففي تحليل نشره الكاتب أندرياس كريغ في مركز لودريج للدراسات في 26 أيار 2024 حول السياسات الغربية يرى الكاتب أن «النظام الإقليمي الذي فرضته في الشرق الأوسط دول ومنظمات مسلحة مناهضة للولايات المتحدة، لم يستطع تجاوز دور واشنطن فقط، بل إنه فرض عليها تحديات لم تتمكن من التغلب عليها، وفتح الباب أمام تطورات لا تسر الولايات المتحدة في تلك المنطقة»، وأضاف كريغ: «إلى جانب هذه النتيجة، ماتت فكرة الهيمنة الأميركية على المنطقة ولم تتمكن واشنطن من فرض ما تريد أثناء وبعد الربيع العربي».
وفي المجلة الأميركية الشهيرة «ذا أتلانتك» يرى ميخائيل شومان في 9 تشرين الثاني الجاري تحت عنوان «أصبح من الممكن انتهاء وجود النظام العالمي الأميركي» أن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب ستنهج طريقاً مختلفاً عن إدارة جو بايدين الذي كان يراهن على القوة الغربية التقليدية في أوروبا والعالم ولم يتمكن من تحقيق الأهداف المطلوبة في حين أن ترامب سيتجه عكس ذلك وسيفرض سياسة تهدد مصالح دول كثيرة لم تلحق سياسة بايدين بها أي ضرر، «ويبدو أن ترامب يعترف بتدهور النفوذ الأميركي ويعد نفسه وخططه لإنقاذه بسياسات القوة المباشرة، ويضيف شومان بأن أي نظام عالمي لا تهيمن فيه واشنطن هو الذي سيولد بعد رحيل بايدين»، وفي الثالث من تشرين الأول الماضي أكدت مجلة «الهند اليوم» بالإنكليزية تحت عنوان «تراجع القوة العالمية الأميركية ونهوض عالم متعدد الأقطاب» أن الولايات المتحدة لم تعد القوة الأكبر في العالم لأن دولاً كبرى أخرى أصبحت قادرة على عرقلة السياسات الأميركية وفرض تحديات غير مألوفة على الولايات المتحدة»، ويسجل التاريخ أن واشنطن لم تستطع في عهد الحرب الباردة أثناء وجود الاتحاد السوفييتي ولا في عهد ما بعد انهياره، فرض هيمنتها الشاملة على مناطق إقليمية عديدة ومنها الشرق الأوسط الذي ما زالت القوى الحية المناهضة لها فيه تتمتع بقدرة على الصمود في وجهها ومنعها من تحقيق السيطرة على هذه القوى وفي مقدمها محور المقاومة، ولذلك لن تفلت إسرائيل ولا الولايات المتحدة من دفع ثمن باهظ بعد كل المذابح التي ارتكبها كل منهما في الشرق الأوسط سواء في العراق أم أفغانستان أو سورية وفلسطين.