«سليم حانا» الفنان الذي أخلص لمهنته وأسرته ووطنه … أراد مجابهة الحياة بمفهوم ثقافي جديد على المسرح
| مايا حمادة
عُرف الراحل «سليم حانا» فناناً متميزاً فضل الفن على الدراسة في أوروبا مدركاً أهمية إيصال الرسالة الفنية الإنسانية بلغة الصمت المبسطة، وبأنه لايوجد حركات يؤديها الجسد من دون هدف معتبراً أن التمثيل الإيمائي جسر للإبداع لايقل أهمية عن التمثيل الحواري.
رسخ ثقافة الفن الإيمائي
الوطنية كانت مقصده الدائم ووجهته الأولى، فجعل هدفه محبة الناس وشعاره الوفاء في عمله من أجل أسرته وأبنائه، أحب أن يعطي كل ما لديه بشغف وبقوة إرادة عظيمة، ومن هذا المبدأ عُرضت عليه العديد من عقود العمل والإقامة خارج سورية رفضها جميعاً لأنه لا يحب مغادرة البلاد، كما عمل جاهداً ألا يدخر أي ورقة دون أن يسجل عليها كل ما يجول في ذهنه في تقديم أجمل ما عنده من فن، فعمد إلى تأسيس مكتبته الخاصة التي تعد عالماً بحد ذاته وإرثاً ثميناً محفوظاً حتى اليوم، تحتوي المكتبة على معظم القصص والروايات العالمية لكتّاب من جنسيات مختلفة تاركاً وراءه العديد من المسرحيات والخواطر المكتوبة بخط يده الرائع، أراد مجابهة الحياة بمفهوم ثقافي جديد على المسرح دون كلام كإنسان واع وفنان بآن معاً مفعماً بالوطنية والصدق والشفافية في حياته، كريماً بأخلاقه وملتزماً كل الالتزام تجاه عائلته ووطنه، انشغل بهموم الناس وتابع قضاياهم وبحث في تفاصيل حياتهم متفرداً بعقل مشرق وخيال واسع انطلق منه ليشكل نواة مسرح إيمائي جديد قل نظيره.
المسرحي المبدع
رؤيته المبكّرة في الخروج عن تقاليد المسرح الكلاسيكي تمثلت عبر مسرحياته الدرامية ذات المحتوى الاجتماعي والحبكة المسرحية المُتقنة في الأسلوب والحوار وتقاطع المشاهد، فقد بلغ عدد المسرحيات التي كتبها وشارك في إخراجها وتمثيلها نحو عشرين مسرحية متنوعة بين القامشلي وحلب منها الفكاهية والاجتماعية والقومية، أحب في بداياته المسرح المدرسي بشدة ثم انتسب إلى جمعية أنصار المسرح في القامشلي، أما الخطوة التالية فعندما تفرغ للفن المسرحي ليشكل أكثر من فرقة مسرحية حيث قدم عدة مسرحيات من تأليفه وتمثيله وإخراجه مثّل معظمها في منطقة الجزيرة وحلب حتى ظهر أول إعلان عن عرض مسرحيتين اجتماعيتين عام 1954 من تأليفه وإخراجه، الأولى بعنوان «سفاك الدم» والثانية «الخبز الأسود». وإلى جانب العرض تم توزيع كتيبات عن تفاصيل العروض مايدل على اهتمام لافت وجميل منه للحضور، وعندما ضاقت الأجواء الفنية في محيطه انتقل إلى دمشق مطلع الستينيات حيث قدم مسرحية «الخبز الأسود» بعد أن تغير عنوانها إلى «ضحايا المجتمع» في نادي الأزبكية عام 1960، وبدمشق طرق باب المسرح الوطني كممثل كوميدي لاعتقاده أنه الباب الصحيح لاقتحام عالم الفن الدرامي في عدة أعمال مسرحية منها: «البرجوازي النبيل»- «الإخوة كارامازوف»- «دون جوان»- «المفتش العام» وهو أول عمل فني في العاصمة سُجل لسليم حانا.
أعماله في التلفزيون والسينما
كتبت جريدة النصر عن الفنان سليم المقال التالي تحت عنوان «التمثيل الإيمائي يدخل مرحلة الفن المدروس.. سليم حنا موهبة فريدة فليستفد منه التلفزيون»، وذلك عندما أقامت وزارة الثقافة والإرشاد القومي حفل المنوعات على مسرح الحمراء حيث لفت انتباههم تمثيل إيمائي رائع وعمل مثير للاهتمام قدمه الراحل «سليم حانا» العضو بالمسرح القومي وكان عنوانها (صورة للذكرى) من جهة أخرى شارك في مجموعة من الأمسيات والمسلسلات التلفزيونية مع الفنانين نهاد قلعي، رفيق سبيعي والأخوين قنوع، وكان له حضور متميز في الفيلم الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما بعنوان (رجل واحد مطلوب) ومشاركات مع نجوم وفنانين عرب من بينهم فريد شوقي وصباح ومريم فخر الدين في أفلام (فندق الأحلام، واللص اللطيف، والنصابون الثلاثة)، وفي عام 1969حصل على الموافقة بتأسيس نقابة الفنانين ليكون أول عضو مسجل فيها.
الجزيرة بالنسبة للراحل سليم
وفي كتاب الجزيرة ورجالاتها للمؤلفين عثمان رمزي وسليم حانا، قدم الراحل حانا مع المؤلف عثمان رمزي إسهاماً أدبياً عن منطقة الجزيرة وأهميتها في سورية خصوصاً والعالم عموماً، وأغنى الكتاب بالتعريف عن عدة شخصيات من الجزيرة إلى السوريين والشعوب العربية الأخرى بهدف خلق نوع من التقارب الروحي والاجتماعي والأدبي ملقياً الضوء على بعض الجوانب الثقافية والاجتماعية والزراعية التي كانت تعيشها كل أنحاء الجزيرة برخاء وازدهار عمراني في سبيل بناء أسس الوطن وخدمته، وأشار في الكتاب أن هذه المرتكزات تعود لثمرة سنوات طوال من النشاط والاجتهاد للفلاح، ولهذا كانت الجزيرة ينبوعاً من الخير والإنتاج السريع، وهي لؤلؤة سورية في إنتاجها الزراعي، موضحاً أهمية الاقتصاد الوطني عبر الحديث عن أهمية المنطقة بالتزامن مع تقديمه للسير الذاتية الملهمة وتدوين مجموعة مقترحات للعمل على الارتقاء بالمستوى الاقتصادي وتحسينه.
وضمن صفحات الكتاب تغنى «سليم حانا» في حب بلاده من خلال الكلمات الآتية:
هذه بلادي ولدت فيها صغيراً فحييت معها واكتسبت منها الجمال
جمال الطبيعة.. جمال الأرض.. جمال الفكر.. فما أسعدني!.
ما أنسى لا أنسى ليالي قضيتها مع رفاق بلادي في هدوء وسرور.
نتغنى في سكون.. بلادي… بلادي سحر الجمال..
وكيف لانذكرها فالذكرى فيها خالدة.. في ربوعها الحياة كلها سعيدة.