تفاصيل في المشاركة الثقافية السورية
| إسماعيل مروة
اتفق النقاد العرب من ابن سلام إلى ابن قتيبة إلى ابن رشيق على أن النقد مصطلح مأخوذ من الصيرفة، والنقد والمال، فكما يميز الصيرفي بين المال الصحيح والمزيف بخبرته، كذلك الناقد يقوم بتقويم النصوص والكتابة ليميز بين الجيد والرديء، ومن ثم عمم مفهوم النقد على كل مجال للحكم على الأشخاص والأفعال والتظاهرات، ليقوم النقد بمهمة بيان السلبيات والإيجابيات، السلبيات لتجاوزها وتلافيها، والإيجابيات لتعزيزها وتطويرها.
ومن هنا جاءت العبارة المثل «رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي» فالرحمة والشكر لمن يقوم بتسليط الضوء على العيوب، لصدقه، وحرصه وما يدفع به لتجاوز هذه العيوب والثغرات، إذ لولاه ما عرف الإنسان والمسؤول خاصة ما يعتري الأمر من عيوب ونواقص، فتبقى العربة سائرة من دون أن يتم تلافي العيوب.
وفي مجتمعاتنا رأينا نقداً حقيقياً من الصادقين والعلماء، وكانت غاياتهم نبيلة، لكننا لم نأخذ بها فوصلنا إلى ما وصلنا إليه، ومع الزمن تمت عملية دمج مقيتة بين السياسي والثقافي، العلمي والشخصي، فصار النقد كله من باب الامتداح «شوفوني ما أحلاني» وهذا ما عبر عنه الكاتب الصحفي الكبير الراحل محمود السعدني في كتابه «تمام يا فندم» الذي يظهر أن جلّ الكوارث جاءت من باب التغطية والمظاهر، وإخفاء العيوب، والجبن عن تناولها، أو المجاملة في إظهارها، ولم يدر المسؤول والناقد معاً بأن الكارثة ستحل من باب إخفاء المشكلات والعمل على تجنب إظهار السلبيات الكثيرة.
ما دفعني لهذا الكلام، أن ما نقلته عن المشاركة السورية الرسمية في معرض الكتاب العربي في الشارقة جاء على غير ما يجب، واستخدمت لذلك لغة لينة في تصوير هذه المشاركة، والغاية هي الحرص على المنتوج السوري والفكر السوري، وفي تلك الكتابة أشرت إلى المستوى الفكري المتميز للكتب والدراسات، والنقد كان موجهاً لطريقة المشاركة والعرض، وما يترتب عن ذلك من أثر.. جاءني هاتفان من صديقين أثيرين فيهما عتب ومحاولة للتسويغ، وهذا دفعني إلى إتمام المشهد.
الجناح الذي اشتركت فيه الجهات الرسمية يحمل اسم دار البائع، واشتركت الجهات التالية «وزارة الثقافة- اتحاد الكتاب العرب- مجمع اللغة العربية بدمشق- المعهد العلمي العربي بحلب- الجامعات السورية كافة» وهي بالعدد سبع جهات ذات وزن وجهد، وفي «الوطن» نقدم عروضاً ودراسات في كتب هذه الجهات، وهي ذات قيمة ومستوى عال بكل تأكيد، لكنها في ذلك الجناح تعرض كأي بسطة على رصيف في دمشق، ولا يوجد أي لوحة أو إشارة في الجناح أو المعرض تدل على أن مطبوعات هذه الجهات تباع هنا!!
وفي كل قسم من المعرض يوجد لوحة إلكترونية يستعين بها الزائر لمعرفة الدار التي يقصدها، ولو بقي أياماً يطلب اسم جهة من هذه الجهات فلن يجدها، وهو لا يضرب بالمندل ليعرف أن غايته هي عند الدار الفلانية!
في التغطية عدّدتُ الجهات السبع المشاركة، وكلها رسمية، فإن كانت الظروف لا تسمح بالمشاركة من أجل التذاكر والإقامة، وهذا أمر فيه نظر، لأن المسؤولين يسافرون، ولأن أسعار التذاكر يمكن أن تكون مخفضة لهم، ولأن إدارة المعرض لن تتقاضى أجرة الجناح كما تفعل مع الدور الخاصة، أطرح سؤالاً محدداً: أليس بإمكان هذه الجهات العديدة أن تتفق فيما بينها لتشارك بجناح رسمي؟ أتعجز هذه الجهات عن تغطية تكاليف شخص أو شخصين بالتكافل والتضامن؟
قال لي صديقي الأثير: لم تتحدث عن الإيجابيات؟ وبعد إلحاح مني عرفت أن المشاركة وحدها هي الإيجابية، فقلت وأقول: إن كانت مشاركة أي جهة لم يشعر بها أحد، ولم تشكل حضوراً، ولم تترك أثراً، فما معنى هذه المشاركة؟
وفوق ذلك أنا أتحدث عن سورية وعراقتها ومؤسساتها التي تصدر كتباً ذات قيمة، ولها تاريخ مغرق في الثقافة والفكر، وقد شهدت معارض خارجية وداخلية لهذه المؤسسات المحترمة لم يعد منها كتاب، ونفدت كتبها من اليوم الأول لقيمتها وجودتها ومصداقيتها وأسعارها، ولكن كيف سيعرف القارئ والزائر أن ما يريده موجود، وهو مخفي تحت عمامة دار مغمورة؟
في مفهوم النقد يجب أن تتم مناقشة الموضوع بجدية لتلافيه بدل كيل الاتهامات لهذا الشخص أو ذاك، واختلاق الأفضال غير الموجودة عليه، وتصوير الأمر على أنه ضد كل الجهات والمؤسسات المشاركة موجودة والصور معروفة فلنعد إلى النقد.
والواقع هو الذي يحكم، وسأبقى حريصاً على المنتوج الثقافي والفكري السوري، وأشيد بالصورة المشرقة، وأشير إلى السلبية، حرد من حرد ورضي من رضي.. والنقد صيرفة، وشكل المال لا يخفي جوهر الزيف، عالجوا الأمور ولا تبحثوا عن التسويغات.