المراوغة بالسياسة والتفاوض بالنار
| منذر عيد
بين عنتريات وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس من على تخوم لبنان الجنوبي، وقوله «سنواصل ضرب حزب اللـه بكل قوتنا، لن تكون هناك هدنة أو تسوية من دون تحقيق أهداف الحرب»، وبين أخبار الميدان من أرض الحافة الأمامية للمواجهة، وقراءة الإعلام الإسرائيلي لحقيقة ما يحدث هناك، وبأن حزب اللـه ما زال بكامل قوته، وبأنه من الأفضل للكيان الذهاب نحو صفقة توقف الحرب، تتجلى حقيقة المعاناة التي يتكبدها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة مقاتلي الحزب في جنوب لبنان، وبأن أكبر الأمنيات لدى جنود الاحتلال وقادتهم هي نجاح مساعي المبعوث الأميركي آموس هوكستين في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار؛ وإن كانت تلك الأمنيات تشكل غصة في حلوق أولئك الجنود؛ الذين يعجزون عن البوح بها بشكل علني.
في مقاربة بسيطة بين ما يملكه الاحتلال الإسرائيلي من بنك أهداف لاحقة في عدوانه على لبنان وقطاع غزة، وما تملكه المقاومة، يتضح أن جعبة الكيان باتت خالية من أي هدف يمكن أن يستغله لاحقاً في رسم صورة نصر، حيث بات جل ما يملكه هو استهداف البنى التحتية والمباني المدنية، وذلك بهدف رسم صورة دمار كبير فيها كم هائل من فيض الإجرام والقوة، تمكنه من تحقيق أحد أمرين، إما الدفع بالبيئة الحاضنة للمقاومة للانفضاض من حولها والانقلاب عليها، وهو أمر من سابع المستحيلات، أو تكديس كم هائل من دم الأبرياء المدنيين تمكنه بشكل أو آخر من رفع سقف شروطه في المفاوضات مع المقاومة، وهو أمر لن يتمكن من حصاد ثماره لجهة تمسك المقاومة والمستوى السياسي اللبناني برفض أي تعديل على القرار 1701.
هذا لجهة الجانب الإسرائيلي، أما فيما يخص المقاومة وما تملكه من خيارات وبنك أهداف فإن الأيام أثبتت أنها تملك كماً كبيراً ومهم من الأهداف بدءاً من تخوم فلسطين الشمالية وصولاً إلى ما بعد تل أبيب، وهي أهداف عسكرية بالغة الأهمية والدقة بالنسبة للكيان، وهذا الأمر يبدو أن الجانب الإسرائيلي يعي حقيقته جيداً، وبات يعي أكثر بأن الذهاب إلى اتفاق يوقف العدوان، مع إيجاد سيناريو يتمكن من خلاله رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من تقديم «صورة نصر» للداخل الإسرائيلي، أمر لا بد منه، وبأنه أمر قادم لا محالة، وسط عجزه عن إعادة الأسرى من جنوده في غزة، أو القضاء على حزب اللـه وتفكيك بنيته العسكرية والاجتماعية.
احتمالية ذهاب الكيان إلى اتفاق، وأن مصلحته تكمن في وقف العدوان؛ لا تبدد احتمالية أخرى وهي قيام نتنياهو بوضع العصي في عربة هوكستين، إذا لم ينل مبتغاه في الحصول على حرية التحرك واستهداف المقاومة في لبنان متى شاء تحت بند «الدفاع عن النفس»، ليؤكد مجدداً أن حكومته ستفاوض تحت النار، وليبدد بذلك حالة التفاؤل التي سادت قبيل وصول المبعوث الأميركي إلى بيروت الأمر الذي ألمح إليه النائب في البرلمان اللبناني سيمون أبي رميا بقوله أول من أمس: «في حال لم يكن هناك مناورة أو مراوغة من إسرائيل، نكون قاب قوسين من الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار».
في الشكل يبدو أن الإسرائيلي ذاهب بخلاف طريق هوكستين، لكن المطلع على سياسة الكيان السابقة يعي جيداً أنه يتبع أسلوب الضغط والتفاوض بالنار وإيجاد تغطية للتفاوض بالنار؛ أسلوب ولعبة تمكن حزب اللـه من إجادتهما؛ وفق مبدأ التفاوض والأصبع على الزناد، فكان استهداف قلب تل أبيب أول من أمس بصاروخ باليستي؛ رسالة إلى جميع أصحاب النيات السيئة المراهنين على أنه يمكن إجبار حزب اللـه على التنازل بالتفاوض، عما عجز الاحتلال عن الحصول عليه بالنار.
من الواضح أن حزب اللـه دخل المرحلة الثالثة من المواجهة مع العدو باقتدار وقوة؛ بعد تجاوزه المرحلة الأولى وتلقي الصدمة باستهداف القادة؛ والمرحلة الثانية المتمثلة بإعادة ترميم الصفوف وملء الشواغر؛ فكانت المرحلة الثالثة تأسيس توازنات جديدة وإرساء معادلة النار بالنار وقصف بيروت يقابله قصف تل أبيب بشكل مؤلم.
بين المأمول من زيارة هوكستين والممكن؛ وبين المعلن والمخفي، ثمة العديد من الأسئلة التي تحوم حول الزيارة، هل يقدم رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو إنجازاً لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في ساعاتها الأخيرة، وهو من أعلن بالأمس أنه تحدّى إدارة بايدن مرات عدة في شأن العمليات التي قامت بها قواته في غزة، كما تحدث عن أزمة ثقة تجاه تلك الإدارة؛ وهل يعمد بايدن فعلا إلى إطفاء بؤرة توتر شديدة الحساسية، ويزيل عقبة من أمام دونالد ترامب، أم يناور شكلاً ويقوم بتصدير أزمة إلى عهدة الإدارة الجديدة؛ لتكون زيارة هوكستين مجرد مراوغة سياسية؛ وذريعة لإلقاء اللوم على لبنان في إخفاق المفاوضات؟