رؤيا ثائر مرة أخرى!
| حسن م. يوسف
أعترف لكم أنني أعتبر المقالة التي لا تحدث رد فعل لدى القراء، مجرد حركة عابرة في الهواء، بل إنني أغتبط بالدرجة نفسها تقريباً عندما أتلقى رسائل تعبر عن وجهات نظر نقدية تعلن تناقضها مع وجهة نظري، فأنا أعتبر الصمت أسوأ عقاب يمكن إنزاله بالكاتب، فـ«الزعل أرحم من النسيان» على حد قول الفنان الجميل الحاضر أبداً نصري شمس الدين، وهذا لا يصح في العلاقة بين المحب ومحبوبه وحسب بل يصح كثيراً في العلاقة بين الكلمة وقارئها أيضاً!
في ظروف تشبه الظروف التي نمر بها هذه الأيام كتبت في عام 2006 زاوية بعنوان: «صح النوم… يا عرب»، وقد حظيت الزاوية بتعليقات عديدة أحسب أن أهمها تعليق الصديق الدكتور ثائر الدوري.
ونظراً لتطابق الظروف أجد من واجبي أن أعيد التذكير بما قاله الدكتور ثائر قبل ثمانية عشر عاماً. بدأ الدكتور ثائر رسالة بقوله: «… إن لغة التعميم في لفظ (العرب) لم تعد مفيدة وتنشر الإحباط، وهي لا تقدم شيئاً لأن العرب عربان: النظام الرسمي، والشعوب العربية. «ويرى الدكتور ثائر أن النظام الرسمي العربي» يسير إلى القبر، وهو في هذه اللحظة بحالة موت سريري ولا أمل بإنقاذه ويكفي أن ترفع عنه أجهزة الإنعاش والمصول، التي يحقن بها من الخارج، حتى تعلن وفاته رسمياً.
لكن الدكتور ثائر قفز من حالة التشاؤم القصوى إلى حالة قصوى من التفاؤل، إذ أعرب عن اعتقاده أن الشعب العربي «… يمسك بلحظته التاريخية ويستكمل يوماً بعد يوم شروط ولادة أمة عظيمة وعظمى بكل المقاييس العسكرية والحضارية والإنسانية».. ولكي ينفي المبالغة عن نفسه، يذكرنا بهزيمة الكيان الصهيوني في لبنان عام 2006 وعجز آلته الحربية أمام الانتفاضة في فلسطين المحتلة، وهو يرى الوضع برمته في سياق يثير الحمية إذ يقول: «إن المعارك التي تدور على أراضينا هي بين قوتين عظميين، واحدة عسكرية هي الولايات المتحدة الأميركية والأخرى حضارية وإنسانية هي الأمة العربية. وإضافة إلى الفرق الحضاري والإنساني بين هاتين القوتين هناك فرق آخر وهو أن الولايات المتحدة قوة عظمى في طور الانحدار أما العرب فقوة عظمى في طور الصعود، فقديماً قيل إن الإنسان يكتسب مكانة العدو الذي يصارعه. وانظر أي أعداء يصارع إخوتنا في فلسطين ولبنان والعراق. إنهم يصارعون القوة العظمى التي التهمت أوروبا الشرقية ويوغسلافيا والاتحاد السوفييتي وجيوشه الجرارة وأسلحته النووية. ولا داعي لأن أذكرك بأن كرامة أميركا تمرغت بالوحل وهي تصارع جزءاً صغيراً من أمتنا فالأمة لم تدخل كلها ميدان الاشتباك المباشر بعد».
ويعرب الدكتور ثائر عن ثقته بالمستقبل: «فما الكيان الصهيوني إلا قلعة غربية في منطقتنا العربية، أو حاملة طائرات أميركية لا تغرق»، ولكي لا يتهم بالمبالغة يشير إلى أن هذا الوصف ليس من اختراعه بل هو للفرنسي– اليهودي إيمانويل تود.
ختاماً يقول الدكتور ثائر بيقين يحسد عليه: إن وضع أمتنا منذ أكثر من خمسمئة عام لم يكن أفضل مما هو عليه اليوم. «أما الشهداء الذين يتساقطون في فلسطين ولبنان والعراق، فإننا نتألم لهم ونحزن عندما نراهم يتساقطون وفي الوقت نفسه ندرك أن دماءهم تنير درب النصر فهم منارات لنا».
لست أعرف أين هو الدكتور ثائر الآن إلا أنني أتمنى لو أعرف ما إذا كان لا يزال عند هذه القناعات التي عبّر عنها في رسالته لي قبل ثمانية عشر عاماً.
صحيح أنني لا أتفق تماماً مع ثائر في فصله التام بين الحكام والمحكومين العرب كما لو أن أحدهما جاء من الفضاء الخارجي، لكن رؤيا ثائر المتفائلة جديرة بالتأمل، ونأمل أن تكون قابلة للانتقال بالعدوى أيضاً.