تزايد قلق إسرائيل على مستقبلها بعد قرار محكمة الجنايات
| تحسين حلبي
على الرغم من السجل التاريخي لقرارات الأمم المتحدة الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني والدور الأميركي في عرقلة تنفيذها منذ أكثر من 70 عاماً إلا أن الكيان الإسرائيلي حاول دائماً منع أي قرار ينصف الشعب الفلسطيني وليس إحباط تنفيذه فقط، فهذه القرارات شكلت ولا تزال تشكل مصداقية شرعية تاريخية تهدد مستقبل المشروع الصهيوني من ناحية أولى وتشكل قاعدة شرعية لمقاومة الاحتلال وعدم التسليم باغتصاب فلسطين وبالتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني كافة، وتحفز كل قوى التحرر والعدالة في الساحة العالمية على نزع شرعية الاحتلال وسياسات الإبادة التي ينتهجها ضد الشعب الفلسطيني، وفي هذه الأوقات بالذات شكل الطلب الذي تقدمت به دولة جنوب إفريقية لمحاكمة إسرائيل وإدانتها في محكمة الجنايات الدولية، قراراً دولياً جديداً يدين إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة شعب في حربها في قطاع غزة ويقضي باعتقال رئيس حكومة الكيان المحتل بنيامين نتنياهو ووزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت لفرض عقوبة الحبس على كل منهما، وقد شكل هذا القرار أهم إدانة صارخة لقوى الاستعمار التاريخي البريطاني والفرنسي والأميركي الذي حمّل الأوروبيين المرتزقة اليهود من أوروبا إلى فلسطين لإنشاء كيان صهيوني على حساب شعب فلسطين ووطنه التاريخي، فهذه القوى الاستعمارية لم تستطع منع الشعب الفلسطيني من مقاومة الاحتلال ولم تتمكن من فرض خطابها السياسي والإعلامي على العالم لمنع دوله عن دعم وتأييد قرار أعلى محكمة دولية جنائية أممية، ولذلك كان من الطبيعي أن تشن الولايات المتحدة حرباً شرسة هددت فيها حكومة جنوب إفريقية وقضاة المحكمة الدولية بكل أشكال الإرهاب والابتزاز لمنع صدور قرار إدانة كيانها الاستيطاني التاريخي وهزمت في النهاية، ورسخت هذه الحقيقة نفسها في سجل ذاكرة تاريخ العالم والنضال التحرري لشعوبه بعد أن فشلت كل سرديات الحركة الصهيونية صنيعة الاستعمار، في تجاوز عدالة هذه المحاكمة الدولية لكيان استخدم شعار «المحرقة» و«معاداة السامية» لابتزاز ولإرهاب وردع كل من يعمل على كشف حقيقته ككيان مدان بجرائم إبادة شعب فلسطين وهو الذي كان يريد أن يفرض على العالم مزاعم سردياته بأن العرب يعملون على «إبادة اليهود وشعب إسرائيل»، فإذا به يدان بإبادة شعب لسلب حقوقه في وطنه، وبالمقابل لا يزال قادة الكيان يتخوفون من بقية النتائج التي فرضتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية على الساحة الدولية وخاصة في الأمم المتحدة التي افتضح فيها دور واشنطن كشريكة مباشرة وعلنية في كل ما يرتكبه كيانها من جرائم حرب موصوفة رآها العالم كله فرداً فرداً في كل قنوات ووسائل الإعلام الإلكترونية المرئية وسجلته مليارات من البشر في ذاكرتها صوراً وأسماء وشواهد لكل الضحايا الفلسطينيين واللبنانيين طوال أربعة عشر شهراً، ولا شك أن الولايات المتحدة تتحمل كل المسؤولية عن دماء هذه الضحايا لأنها تشارك بذخائرها وصواريخها في حرب الإبادة وكذلك في منعها لإيقاف هذه الحرب باستخدامها لحق النقض الفيتو على كل قرارات مجلس الأمن الدولي التي تتخذ بموافقة أصوات كل دوله الأعضاء باستثنائها، ويبدو أن قادة الكيان بدؤوا يخشون من تنديد معظم دول العالم بهم في أعقاب قرارات المحكمة الدولية فقد طالب مايكيل أورون وهو أحد قادة حزب الليكود وسفير تل أبيب في واشنطن سابقاً، بمنع إعطاء فلسطين في الأمم المتحدة مرتبة دولة كاملة العضوية، ففي مقال نشره في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية يوم الجمعة الماضي رأى أورون تحت عنوان «الخطر المقبل هو اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كاملة العضوية» أنه «يخشى من ألا تتمكن الولايات المتحدة من منع فلسطين عن تحقيق هذا الهدف فالرئيس الأميركي جو بايدين قد لا ينجح في إسقاط مشروع قرار يطالب فيه مجلس الأمن الدولي بإقامة دولة فلسطينية معترف بها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، ففي عام 2016 سمحت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما ونائبه آنذاك جو بايدين بموافقة مجلس الأمن الدولي على قرار 2334 الذي يندد بالاستيطان الإسرائيلي في أراضي الضفة الغربية ولم تتدخل ضده».
ويضيف أورون: «في هذه الأوقات وبعد قرار محكمة الجنايات الدولية لم يبق لبايدين سوى نهاية هذين الشهرين ثمة خشية من أن تواجه إسرائيل خطر قرار آخر يتخذه مجلس الأمن للدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية بموافقة أميركية ودون اعتراض من بايدين رغم أنه يعد نفسه صهيونياً وكان الداعم الأكبر لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة ولبنان».
يبدو أن مشروعات القرارات المقبلة لتأكيد حقوق الشعب الفلسطيني وعزل الكيان الإسرائيلي في الساحة الدولية سيكون في مقدمة جدول عمل المقاومة ومعها كل أطرافها وجميع الدول العربية والدول المستقلة في العالم.