غزة في اليوم التالي للحرب
| معتز خليل
في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر منذ عملية طوفان الأقصى، برزت فكرة تشكيل لجنة محلية لإدارة القطاع كحل مؤقت يهدف إلى التخفيف من الأزمة الإنسانية التي يعاني منها سكان غزة والتي تنوعت بين المجاعة وصعوبة الحصول على الدواء، فضلاً عن الكثير من الاحتياجات الإنسانية الأخرى المتعددة.
والمنتظر أن يستمر عمل هذه اللجنة في اليوم التالي للحرب المشتعلة في غزة الآن، وقد تكون نواة للنظام الذي سيحكم القطاع في المستقبل، باعتبار أن أطرافها هم شركاء محليون وإقليميون يعرفون تفاصيل الحالة الفلسطينية ويدركون التحديات التي تتعرض لها.
والحاصل إن هذه المبادرة، التي طرحتها مصر بالمناسبة، تهدف إلى خلق نوع من الاستقرار داخل قطاع غزة في ظل حالة الفوضى والدمار التي يعيشها القطاع، ومحاولة تحقيق بعض التحسن في الظروف المعيشية للسكان الذين يعانون بشدة غياب الاحتياجات الإنسانية والأساسية لهم في ظل الحرب المشتعلة بالقطاع الآن.
حركة حماس، باعتبارها الجهة التي تحكم القطاع وتديره، أبدت استعدادها عبر القائم بأعمال رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية للموافقة على فكرة تشكيل اللجنة بشرط أن تظل السيادة المحلية على القطاع تحت إدارتها.
بالتأكيد فإن هذا الموقف يعكس رغبتها في الحفاظ على نفوذها الكامل في غزة، مع إبداء بعض المرونة في التعامل مع الضغوط الدولية التي قد تفرضها الأطراف المختلفة، كما أن الحركة وضعت شرطين رئيسيين في هذا السياق: تأمين الدعم الإنساني وضمان توافر الموارد المالية اللازمة لتشغيل اللجنة، بهدف ضمان فاعليتها في تلبية احتياجات السكان.
ولكن تشكيل اللجنة لن يكون خالياً من التحديات، وأولها هو التنسيق مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، التي تسيطر عليها حركة فتح، وقد شهدت العلاقة بين حماس وفتح توترات كبيرة في السنوات الأخيرة، ومن الصعب من وجهة نظري التوصل إلى اتفاق حقيقي بين عموم الفصائل الفلسطينية بشأن آلية إدارة غزة في هذه الظروف.
إضافة إلى ذلك، يعتبر القبول الدولي لهذه المبادرة تحدياً آخر، حيث إن نجاح اللجنة في عملها سيعتمد بشكل كبير على الدعم الدولي، وخاصة فيما يتعلق بتوفير التمويل اللازم لإعادة إعمار القطاع وتوفير الاحتياجات الإنسانية للسكان.
في حال نجاح هذه اللجنة، يمكن أن تمثل خطوة نحو تهدئة تدريجية في قطاع غزة، كما قد تكون نموذجاً لإدارة الأزمات في مناطق النزاع، إلا أن هذه المبادرة قد تواجه اتهامات دولية بالتقسيم الجغرافي والإداري بين غزة والضفة الغربية، ما قد يؤثر سلباً في وحدة الأراضي الفلسطينية بالمستقبل.
من أجل ضمان نجاح اللجنة، يجب تحقيق توافق داخلي بين مختلف الأطراف الفلسطينية حول مهامها وصلاحياتها، كما ينبغي توفير دعم عربي ودولي من أجل ضمان التمويل اللازم لها، إضافة إلى ذلك، يجب أن يتم استخدام هذه الخطوة كمدخل لوقف العدوان الإسرائيلي وإعادة إعمار القطاع بشكل كامل، وبالتالي، فإن تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة يمثل فرصة حقيقية لتحسين الوضع الإنساني، لكنه يتطلب تنسيقاً دقيقاً بين الفصائل الفلسطينية ودعماً قوياً من المجتمع الدولي لتحقيق أهدافه.
صحفي مصري مقيم في لندن