قضايا وآراء

ترامب الثاني ومستقبل العلاقة مع الصين

| د. قحطان السيوفي

بعد النجاح الثاني للرئيس الأميركي دونالد ترامب وحجز تذكرة العودة إلى البيت الأبيض، ثمة سؤال يُطرح عن مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية مع الصين، والتي شهدت تقلبات حادة خلال فترة رئاسته الأولى 2016.

عندما فاز ترامب في ولايته الأولى، أرسلت بكين برقية تهنئة إلى الرئيس المنتخب، وبعد أيام عدة اتصل الرئيس الصيني شي جين بينغ بترامب مهنئاً بالفوز، لكن بعد فوز ترامب في ولايته الثانية، أثير جدل بشأن الطريقة التي هنأ بها الرئيس الصيني نظيره الأميركي المنتخب، فقالت شبكة «س إن إن» الأميركية: إن الزعيم الصيني اتصل بترامب، وقالت السفارة الصينية لدى واشنطن: إن شي بعث برسالة تهنئة إلى ترامب، وكذلك ذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة «شينخوا»، ولكن سواء اتصل الرئيس الصيني أو أرسل برقية تهنئة، فإن فحوى كلام الرئيس شي يتمثل بدعوة إدارة ترمب إلى إدارة ملائمة للخلافات بين بكين وواشنطن، والتعايش السلمي المربح بشكل يعود بالفائدة على الجانبين، وبأن العلاقة المتوترة بين البلدين ستضر بمصالحهما.

اعتاد ترامب أن ينادي شي بـ«صديقي»، لكن الزعيم الصيني لا يبني علاقات «صداقة» بهذا الشكل، وقد افتقرت تهانيه الرسمية إلى الرئيس الأميركي المنتخب إلى الدفء بصورة ملحوظة، فالرئيس شي يدرك التحديات التي يطرحها انتخاب ترامب للسلطة لأربع سنوات جديدة، وكتب في رسالة التهنئة التي بعثها إلى ترامب: «علاقة متوترة بين الولايات المتحدة والصين ستضر بمصالح البلدين، في حين تعلمنا عبر التاريخ بأن الشراكة تعود دائماً بالخير للبلدين».

المراقبون يرون أن إدارة ترامب الثاني ستتخذ مواقف متشددة تجاه الصين وستستمر في فرض العقوبات وأن العلاقة القادمة قد تشوبها بعض التوترات.

ترامب لا يسعى إلى حرب مع الصين لكنه يريد النجاح دبلوماسياً، مع إن سياساته قد تشوبها بعض المواجهة، بفرض الرسوم الجمركية على التجارة مع الصين، وتعكس كلمات الرئيس الصيني في رسالة التهنئة؛ قلق بكين من الإجراءات المضادة التي من المحتمل أن يتخذها ترامب ضد الصين.

خطاب ترامب في فلوريدا، الذي أعلن فيه فوزه بالانتخابات، ذكّر بأن «الصين لا تملك ما نملكه»، ويدل ذلك على أن هناك إجراءات قاسية سيفرضها ترامب على بكين لإعاقة نموها وتطورها كي تبقى الولايات المتحدة الأميركية هي القوة المهيمنة عالمياً.

عملت الصين، خلال 2024، على تطوير النمو الاقتصادي، فأطلقت مؤخراً مجموعة من التدابير لتحفير اقتصادها؛ كخفض أسعار الفائدة، وتخفيف القيود على شراء المنازل، ومع فوز ترامب، أعلنت بكين برنامجاً بقيمة 1.4 تريليون دولار لإعادة تمويل ديون الحكومات المحلية تفادياً للحرب التجارية المرتقبة بين البلدين، كما تدرس خططاً لتقديم تخفيضات جمركية وإعفاءات من التأشيرة واستثمارات وحوافز أخرى لحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا لتعويض الضرر المحتمل على اقتصادها في حال أقدم ترامب على زيادة التعريفات الجمركية.

على صعيد الحرب التجارية قال ترامب، خلال حملاته الانتخابية: إنه سيزيد الرسوم الجمركية على السلع الصينية لتصل إلى 60 بالمئة وحتى إلى 100 بالمئة، وهذا الأسلوب اتّبعه خلال فترة ولايته الأولى، حيث فرض رسوماً جمركية على السلع الصينية وصلت إلى 25 بالمئة بسبب زعمه ممارسات بكين غير العادلة.

ترامب يعتبر للعلاقات التجارية وسيلة مهمة للضغط على بكين، وهو ما يراه محللون محركاً لعواصف جديدة تواجه هذه العلاقات، في حين يرى آخرون أنه لن يستطيع تجاوز خطواته السابقة خشية التأثير في اقتصاد الولايات المتحدة وإذا نفذ ترامب زيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 60 بالمئة، ستقوم الصين بإجراءات مضادة وفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الأميركية ويدخل البلدان في حرب تجارية جديدة تؤثر في اقتصادهما وفي الاقتصاد العالمي كله.

بالنسبة للرقائق الإلكترونية، والتي تسمى «النفط الجديد»، إدارة الرئيس بايدن كانت أكثر تشدداً تجاه الصين فيما يتعلق بأشباه الموصلات، ومن المحتمل أن يقيد ترامب وصول الصين إلى الرقائق الإلكترونية المتقدمة، ويضغط على الدول الأخرى لتقليل تعاونها مع الصين في موضوع أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، ولاسيما كوريا الجنوبية واليابان وهولندا وتايوان.

ومن المتوقع أن يسعى ترامب، بالتوافق مع المدير التنفيذي لشركة تسلا، إيلون ماسك، والذي من المتوقع أن يتولى وزارة الكفاءة الحكومية في إدارة ترامب الجديدة، لتعزيز إنتاج الرقائق الإلكترونية المتطورة في الأراضي الأميركية، كمحاولة لإعادة الريادة لواشنطن في السيطرة على سوق التكنولوجيا والابتكار، وبالنسبة لتايوان من المتوقع أن يتعامل ترامب في ولايته الثانية مع تايوان بأسلوب مغاير لإدارة الرئيس بايدن، ويمكن ذكر 3 سيناريوهات للعلاقات بين الجانبين:

الأول: أن تدفع تايوان مقابل الحماية الأميركية، حيث قال ترامب: إنه على تايوان أن تدفع مقابل الدفاع عنها، واتهمها بسرقة الرقائق الإلكترونية من الولايات المتحدة الأميركية، وهدد بفرض تعرفات جمركية على الشركات التايوانية.

السيناريو الثاني: أن تتم صفقة بين الصين وترامب بشأن عدم دعم الأخير الجزيرة، عسكرياً ومالياً وسياسياً.

السيناريو الثالث: هو ألا يوفر ترامب الدعم لتايوان وتبقى مهملة، غير أن هذا الاحتمال بعيد، نظراً لأن تايوان تدخل ضمن المنافسة الصينية الأميركية، وبالتالي، سيستخدمها ترامب ورقة ضغط على بكين.

يرى المراقبون أن ترامب لن يرفع سقف العقوبات عما كان خلال ولايته الأولى لسببين:

الأول: مضاعفة ضغط سلسلة التوريد بشكل حاد، والذي سيجعل من الصعب على الشركات الأميركية العثور على موردين بديلين منخفضي التكلفة خلال فترة قصيرة من الزمن، ما سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الضغوط التضخمية في السوق الأميركية.

الثاني: الضغوط المضادة من جانب السوق الدولية، حيث واجه المزارعون الأميركيون عام 2018 ضغوطاً أكبر في السوق بعد فرض الصين تعرفات جمركية مضادة.

يتوقع نائب رئيس مركز بحوث «ميركاتور» ميكو هيوتاري، أن «السياسة التي ستتبعها الإدارة الأميركية الجديدة إزاء الصين ستكون أكثر تشدداً»، معتبراً بأن الشراكة مع الصين ليست على طاولة الجمهوريين، ولاسيما أولئك الذين يلقبون بـ«الصقور» المتشددين إزاء الصين.

من جهته، قد يساند ترامب فكرة تشديد العقوبات التجارية على الصين «كونه يعتقد أن تخفيض الضرائب على الشركات الأميركية وعلى الأغنياء سيجعلهم يخفضون بدورهم أسعار المواد التي ينتجونها».

بالمقابل يبدو أن «الصين هيأت نفسها لمثل هذه الإجراءات الأميركية وسترد على واشنطن باستهداف بعض الشركات الخاصة.

مثلاً، قد تضغط بكين على رجل الأعمال إيلون ماسك «مالك منصة «إيكس»، تويتر (سابقاً)، أحد أصدقاء ترامب، وذلك عبر خلق مشاكل لشركة «تسلا» التي تنتج السيارات الكهربائية في الصين.

الصين ستواصل المباحثات التجارية مع إدارة الرئيس ترامب، لكن ما يُقلق بكين هو أن يُعاد تعيين أشخاص متطرفين كان لهم نفوذ كبير خلال حروب ترامب التجارية خلال ولايته الأولى، ومع عودة ترامب الثاني فإن العلاقات الصينية الأميركية ستشهد، تنافساً وتوترات، ويبقى الخلاف الأساس بين البلدين هو على شكل العلاقات الصينية الأميركية، وعلى شكل النظام العالمي.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن