استهداف أميركا للجنائية الدولية.. ازدواجية معايير
| رزوق الغاوي
على الرغم من الضغوط التي مارستها واشنطن ولاتزال على المحكمة الجنائية الدولية، للحيلولة من دون قيامها بالمهام التي حددتها «معاهدة روما» عام 1998 والتي بدأت عملها عام 2002، بمتابعة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية بالقتل العمد أو التسبب بالأذى الشديد بغية إهلاك جماعة قومية أو عرقية أو دينية إهلاكا كلياً أو جزئياً، فعلى الرغم من ذلك، قدّم المدعي العام الدولي كريم خان طلبات إصدار مذكّرات اعتقال رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية للمدنيين، وحرمانهم من مجمل عناصر البقاء من غذاء وماء وأدوية ووقود وكهرباء.
مذكرتا كريم خان بحق نتنياهو وغالانت جاءتا بمثابة تحدٍ صريحٍ للإمبريالية الأميركية المتوحشة والصهيونية الهمجية في حربهما منفلتة العقال على أبناء غزة والضفة من الفلسطينيين وتالياً أبناء شعب لبنان في جنوبه ووسطه وشماله، الأمر الذي حذا بالدوائر العميلة للاستخبارات المركزية الأميركية والموساد الإسرائيلي وبعض الاستخبارات الأوروبية، للعمل على افتعال مزاعم اتهام لا أساس لها من الصحة للمدعي العام في المحكمة الجنائية كريم خان بالتحرش بإحدى العاملات معه في المحكمة بهدف الإساءة إلى سمعته والسير بهذا الاتهام في محاولة لإبعاده نهائياً عن المحكمة الجنائية الدولية.
الواضح أن ذاك الاتهام الساذج للمدعي العام الدولي، يندرج في إطار الضغوط الأميركية- الغربية- الإسرائيلية المستمرة على المحكمة الجنائية الدولية، والرامية إلى الهيمنة عليها بصورة كلية وجعلها أداة رخيصة ومطيَّة لممارسة ازدواجية معايير الغرب الإمبريالي والتعاطي البربري الصهيوني في الضغط على تلك المحكمة.
وما إن انتشر نبأ الأمر باعتقال نتنياهو وغالانت شرعت الإدارة الأميركية في الإعراب عن دعمها المطلق لما سمته حق الكيان الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه، وتأكيد مجلس الأمن القومي الأميركي عدم الاعتراف باختصاص المحكمة التي وقعت على ميثاقها حتى الآن 123 دولة بما فيها الدولة الفلسطينية.
وسبق لواشنطن أن أخفقت في منع إقامة هذه المحكمة فبدأت العمل على الالتفاف عليها في محاولة قسرية لإحداث تعديلات على ميثاق «معاهدة روما»، لما فيه خدمة السياسات العامة للولايات المتحدة الأميركية ومصالحها على الساحة الدولية، وقررت واشنطن الامتناع عن الانضمام إلى عضويتها، واستغلال تفردها بصنع القرار الدولي، وشرعت بالضغط على مجلس الأمن الدولي، مطالبة إياه بالطلب بإصدار قرار يعفي القوات الأميركية من الالتزام بقرارات المحكمة الجنائية الدولية وقانونية وميثاقية إنشائها لدى الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 وممارسة الضغوط على بلدان الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر المصدر الأول لتمويل المحكمة، بغية إضعافها ومنعها من إصدار أي قرارات ضد الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي.
هنا ينبغي الإشارة إلى التغريد الأوروبي خارج السرب الأميركي، بتأييد قرار الجنائية الدولية، الأمر الذي شكل صدمة للبيت الأبيض والبنتاغون ولحكومة العدو الإسرائيلي على حدٍ سواء، فلم تتوقع واشنطن وتل أبيب ذلك، حيث أعرب الناطق باسم الرئاسة الأميركية جون كيربي عن القلق معلناً رفض بلاده للقرار، ولدى استعراض المواقف الأميركية والإسرائيلية المتأرجحة في تقييم قرارات المحكمة الجنائية الدولية، وردود الفعل الأوروبية تجاهها، تتأكد مجدداً حقيقة اعتماد واشنطن وتل أبيب أسلوب المعايير المزدوجة حيال تلك القرارات، وفي إطار الضغط الأميركي سبق لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن أعلن أنه سيعمل مع المشرعين الأميركيين لبحث إمكانية فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، معلناً أمام جلسة استماع في الكونغرس الأميركي التزامه باتخاذ إجراء ضد هذا «القرار الخاطئ للغاية» على حد تعبير بلينكن، الذي جاءت تصريحاته وسط حملة شرسة لفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، وقد تدخل مرحلة التصويت عليها في خلال الأيام القليلة القادمة.
كاتب سوري