لكنها تدور
| عبد الفتاح العوض
هذه الجملة الشهيرة التي قالها غاليليو أثناء مرافعته أمام محاكم التفتيش.
هي عبارة فاصلة تكاد تكون متشابهة في مضمونها مع كل أولئك الأشخاص الذين عانوا من أجل فكرة. في لحظة ما في المحاكمة تراجع غاليليو أمام القضاة لكنه على أبواب المحكمة عاد ليقول لكنها تدور..
مثال مختلف.. سقراط طلب منه الهرب قبل قتله بالسم لكنه رفض ومات.
هي لحظة بين أن تقول: أنا على حق يستحق أن أموت من أجله. وبين لحظة هي الفترة التي استغرقها غاليليو بين قوس المحكمة وبابها.. قال كما تريدون لكن بعد قليل عاد ليقول لكنها تدور.
في التاريخ شخصيات كثيرة اختاروا الموت أو بالحد الأدنى المعاناة من أجل مبادئهم… قالوا ألسنا على الحق في الوقت الذي كان المطلوب منهم أن يستسلموا للتيار وأن يتلونوا بلون المحيط.
وأن يغنوا الأهازيج نفسها التي يغنيها القطيع، هي ذاتها العبارة «هذا حق يستحق الموت من أجله» قالها بطريقته يوسف العظمة في ميسلون وهو يدرك أن ليلى ابنته ستبقى وحيدة.
هي ذاتها العبارة التي قالها عمر المختار وهي الكلمة التي قالها سقراط والحسين.
وكل العظماء الذين امتزجت أفكارهم بدمائهم.
خلال هذه الفترة نسمع أناشيد الواقعية وأحاديث عن الرضوخ للقوة والاستسلام للسائد وهي أفكار في هذه الفترة لها جمهورها وتتردد بين الكبار والصغار بين المثقفين والعامة، بين السياسيين وعلماء الدين، بين الأغنياء والفقراء.
فلسفة قديمة يتم تجديدها الآن في بيئة تبدو صالحة شكلاً ومضموناً لهذا النوع من النواح.
العبارة الجديدة كأنها تقول لا يوجد شيء يستحق الموت من أجله، ليس بالمعنى الحرفي للموت، بل بمعنى لا شيء يستحق المعاناة من أجله.
مثل هذه العبارة تغازل الهوى وتنساب مع الرغبات وتجتاح الأحلام، علينا أن ندرك أن فلسفات قامت على هذه الفكرة وبدت في وقتها كما لو كانت الحل لصراع الإنسان مع نفسه حيث الانسحاب من الصراع والانسياق بكليتك مع نفسك ومع التيار.
عندها تذهب ذليلاً مع هواك وما تشتهي وما ترغب لا رادع ولا مانع ولا حتى مجرد الإحساس بالذنب.
دعونا نسأل: أي العبارتين أرقى وأفضل، هذا حق يستحق الموت من أجله أم العبارة السائدة في هذا الزمان لا شيء يستحق حتى المعاناة من أجله؟
إن استطاع شخص ما أن يقدم إجابة قاطعة فلا شك انه يمتلك الكثير من الجرأة، لكن إن كانت الإجابة الأولى فهو في أعلى السلم، من الضمير والمبادئ وإن كانت الإجابة الأخرى فثمة تسميات أخرى.
هل نستطيع أن نلوم كل الكبار الذين ذكرتهم أو أولئك الذين تزخر بهم كتب التاريخ وأبطال من زماننا ونتهمهم بأنهم لم يقرؤوا الواقع ولم يدركوا الحقيقة فقط لأنهم آمنوا بالفكرة وماتوا من أجلها؟
سيكون موجعاً جداً لو جاء أحد ما وقال عن يوسف العظمة إنه كان متهوراً وسيكون مؤلماً لو احد قال إن عمر المختار كان رومانسياً.
بكثير من الوضوح هؤلاء لم يسألوا أنفسهم عما ستكون النتيجة بقدر ما سألوا أنفسهم ألسنا على الحق ومضوا وهم أهل الحق وخاصته.
أقوال:
• المبادئ ليست أموراً نخونها من أجل الراحة أو الأمان؛ إنها مواقف نعيش بها أو نموت من أجلها. غاندي
• أنا مستعد للموت من أجل حريتي، لأنها حريتي وحياة شعبي. نيلسون مانديلا
• اللذة سعادة المجانين، والسعادة لذة الحكماء. أفلوطين
• إياك واللذة التي يمكن أن يفسدها الخوف. لافونتين