صفحات منسية من تاريخ المسرح السوري … جوان جان يقدّم صوراً من تاريخ غني وواسع
| وائل العدس
أكد الكاتب والناقد المسرحي جوان جان أن تجربة رائد المسرح السوري والعربي أبو خليل القباني حظيت باهتمام بالغ لدى مؤرخي المسرح السوري والعربي، وكُتِبَت دراسات عديدة، وصدرت كتب كثيرة عن تجربة القباني الصعبة والمثيرة بمشاكلها وعثراتها.
وأشار في محاضرة بعنوان «صفحات منسية من تاريخ المسرح السوري» أن تجربة القباني لم تولد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من فراغ، بل سبقتها بعشرات السنوات تجارب محدودة فيما عُرِف بمسرح خيال الظل الذي عرفتْه مقاهي دمشق وحلب والذي اطلع عليه القباني قبل الشروع بمغامرته المسرحية.
خيال الظل
وفي المحاضرة التي أقيمت على خشبة مسرح القباني وقدّمتها الزميلة لمى بدران، أشار جان إلى أن مسرح «خيال الظل» وصل إلى المنطقة العربية قادماً من الشرق الأقصى في أواخر القرن التاسع وبداية القرن العاشر، حيث تشير وثيقة يعود تاريخها إلى العام 1794 كتبها أحد الأطباء البريطانيين وقد أقام لفترة في مدينة حلب ضمن كتاب له عن حلب تضمّن وصفاً تفصيلياً لمسرح خيال الظل الذي شاهده في المدينة في القرن الثامن عشر.
وقد تميزت عروض «خيال الظل» هذه بجرأتها ولهجتها الانتقادية الحادة بحيث لم يسلم فنانو «خيال الظل» من ملاحقة سلطات الاحتلال العثماني في ذلك الوقت، وبذلك قام فن «خيال الظل» منذ نشأته في بلادنا بدور سياسي واجتماعي ذي طابع وطني.
وقال: بالتقاطع مع ما ورد في كتاب الطبيب البريطاني صدر في العام 1962 كتاب لأحد مواطني مدينة حلب يدعى جميل كنة يصف فيه تفاصيل عروض مسرح «خيال الظل»، ويذكر في الكتاب أن العروض كانت تُستدعى أحياناً إلى البيوت لتقديم عروض خاصة للأسر الحلبية.
وكشف جان أسماء أهم فناني مسرح «خيال الظل» في حلب ومنهم محمد مرعي الدباغ المتوفى سنة 1973 وقد بدأ نجم هذا الفن بالأفول في مدينتي دمشق وحلب مع ظهور السينما الناطقة في ثلاثينيات القرن الماضي بالتزامن مع بدء توافد الفرق المسرحية العربية من لبنان ومصر لتقدم عروضها في المدن السورية.
في دمشق
بالحديث عن المسرح بدمشق، فقد كشف جوان جان أنه كان يشهد حركة لافتة للنظر على صعيد محاولات البحث عن نص مسرحي سوري يعكس واقع المجتمع السوري، وقد جهدت بعض المجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت في إيجاد هذا النص عن طريق إقامة مسابقات في الكتابة المسرحية كما فعلت مجلة «النقاد» عام 1950 ومجلة «الآداب» عام 1957 ومن الأسماء التي أفرزتها هذه المسابقات واستمرت في مجال الكتابة للمسرح نذكر كلاً من الكاتبين مصطفى الحلاج وحسيب كيالي.
ووفقاً لجان، فقد كان الفنانون المسرحيون في دمشق في الخمسينيات متوزعين على العديد من الفرق والنوادي المسرحية، مترقبين تأسيس كيان مسرحي رسمي يضمهم جميعاً ويضمن حقوقهم المادية والمعنوية، فلما جاء العام 1960 كان فنانو دمشق المسرحيون على موعد مع تأسيس المسرح القومي في وزارة الثقافة، وهو المسرح الذي جمع شملهم وأتاح المجال أمامهم لتقديم أعمال بمستوى فكري وفني رفيع لجمهور اعتاد نوعية معينة من العروض المسرحية شبيهة بما نطلق عليه اليوم مصطلح المسرح التجاري.
وذكر أن أول مسرحية قدمها المسرح القومي بدمشق كانت بعنوان «براكساجورا» للمخرج رفيق الصبان وهي مسرحية من الأدب المسرحي اليوناني القديم، جسّد شخصياتها الفنانون: كوثر ماردو، سليم كلاس، رياض نحاس، ثراء دبسي، بسام لطفي.
وعرّج إلى تجارب أخرى قدمها عدد من المخرجين المسرحيين للمسرح القومي وذكر منهم: نهاد قلعي، علي عقلة عرسان، أسعد فضة، خضر الشعار، شريف خزندار، سليم قطاية، ومعظم الأعمال التي قدمها هؤلاء في السنوات الأولى من عمر المسرح القومي كانت من الأدب المسرحي العالمي، لكن ذلك لم يمنع من تسلل بعض النصوص المحلية إلى عروض المسرح القومي في عقد الستينيات كتبها: وليد مدفعي، أحمد قنوع، عبد اللطيف فتحي، يوسف مقدسي، علي عقلة عرسان، حكمت محسن.
وأضاف: مع حلول عقد السبعينيات كان المسرح في دمشق قد بلغ ذروة نشاطه كمّاً وكيفاً، فقد شهد عقد السبعينيات عدداً من المحطات المهمة في رحلة المسرح السوري، أبرزها تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية، وتوالي إقامة دورات مهرجان دمشق المسرحي الذي انطلق في العام 1969، كما شهد عقد السبعينيات تأسيس مجلة «الحياة المسرحية» وتسمية الكاتب المسرحي سعد اللـه ونوس رئيساً لتحريرها، وازدهار عروض المسرح الشعبي أو ما اصطلح على تسميته المسرح التجاري أو مسرح القطاع الخاص.
وأوضح أن عقد السبعينيات شهد أيضاً انطلاق عروض مهرجان المسرح العمالي، ففي العام 1975 صدر قرار بإنشاء فرق مسرحية عمالية، ومن ثم إقامة مهرجان مسرحي لهذه الفرق.
وأكد أن في دمشق ظهرت في السبعينيات أيضاً تجمعات مسرحية لم تستمر طويلاً لكنها قدّمت أعمالاً مهمة مثل فرقة «المختبر المسرحي».
مسرح الشعب
وتعددت المطالبات من فناني المسرح في حلب بتأسيس كيان مسرح رسمي خاص بهم أسوة بفناني المسرح القومي في دمشق، وكانت المفارقة في الموضوع أن بلدية حلب هي التي أخذت على عاتقها تأسيس هذا المسرح الذي جاء تحت مسمى «مسرح الشعب»، وكان من مؤسسيه الكاتب المسرحي وليد إخلاصي، وتمت تسمية الفنان حسين إدلبي مديراً له، وقُدّم أول عرض له عام 1968 وقد استمرت مسيرة هذا المسرح حتى العام 1976 حيث قدم أكثر من خمسة عشر عملاً مسرحياً للمخرجين حسين إدلبي، بشار القاضي، كريكور كلش، فواز الساج، محمود خضور، وفقاً لما ذكره جان.
وألمح إلى أنه من أبرز ملامح الحركة المسرحية في السبعينيات انطلاق مهرجان المسرح الجامعي في العام 1971.
مسرح الهواة
وتحدث جان عن أهم الظواهر المسرحية في عقد السبعينيات حيث برز مهرجان «مسرح الهواة» الذي كانت تقيمه وزارة الثقافة وقد عُقدت دوراته الأربع الأولى في دمشق على حين أقيمت دوراته الأربع اللاحقة في حلب.
وبيّن أن عقد السبعينيات شهد شكلاً من أشكال التنافس على تسيّد ساحة الكتابة المسرحية بين الكاتبين سعد اللـه ونوس وممدوح عدوان.