استسلام وصراخ والصدى ١٧٠١
| منذر عيد
كلام الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم وقوله في الثامن من الشهر الماضي: «هذه الحرب هي حرب من يصرخ أولاً ونحن لن نصرخ وسنستمر ونضحي وإن شاء الله تسمعون صراخ العدو»، لم يكن على طريقة العرافين والضاربين بالرمل، بل كان من صميم الإيمان واليقين بما يملكه حزب الله من رجال وإمكانيات عسكرية واستخباراتية، تمكنه من دفع العدو الإسرائيلي إلى الصراخ.
أول من أمس سمعنا صراخ العدو، وإن كان البعض يحاول تجميل كلمة صراخ، واستبدالها بـ«ضوء أخضر» من خلال الترويج بأن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لبحث المبادرة الأميركية الجديدة بشأن غزة ولبنان، ليتدحرج خلف تلك الإشارة «الخضراء» سيل من التصريحات والتأكيدات بأن الأمور في خواتيمها، والاتفاق بات قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حيز التنفيذ.
لكن ثمة شخص بعيد كل البعد عن السياسة والعسكرة، سأل: لماذا حتى الآن فتح نتنياهو إشارته الخضراء أمام الجهود الأميركية- الفرنسية لوقف العدوان على لبنان، ما الذي جرى؟ وهل أكمل مهمته وحقق أهدافه التي أعلن عنها مع بدء عدوانه البري على لبنان؟ وهل دمر هيكلية وقوام حزب الله، ودفع به إلى شمال الليطاني؟ هل سلم الحزب أسلحته الثقيلة وغير الثقيلة ورفع الراية البيضاء، أم ماذا؟ ما الذي جرى حتى قام نتنياهو بإعلان ما أعلنه؟
في سردة لما جرى من أحداث خلال الأيام الأخيرة والقليلة جداً، وفي قراءة لما تم خلالها من تطورات ميدانية، ربما نقدم الجواب الشافي لذاك السائل، صراخ نتنياهو، عفواً «ضوء نتنياهو الأخضر» جاء بعد يوم الأحد الأسود الذي صبغت المقاومة اللبنانية بذاك اللون سماء تل أبيب، وحولت ذاك اليوم إلى جحيم، حينما أمطرت المدينة بأكثر من 340 صاروخاً إضافة إلى عشرات المسيرات التي شلت الحياة في أول أيام الأسبوع، وأنزلت نحو 4 ملايين صهيوني إلى الملاجئ، وبعد معارك ومواجهات برية عنيفة مرغ مجاهدو حزب الله قوات الجيش الإسرائيلي في غبار ووحل الخيام وشمع وميماس، وحولوا دبابات الميركافا إلى كتل من نار.
لماذا الآن وافق نتنياهو على إطلاق «الصراخ»؟ الآن بعد أن فشل هو وجميع أركان حربه في تغطية الخسائر، والفشل الذريع الذي يمنى به جيشه على الحافة الأمامية، ليأتي طلب رئيس أركان لواء غولاني إنهاء مهامه بعد حادثة كمين حزب الله في جنوب لبنان، مثالاً بسيطاً بأن جميع أركان جيش الاحتلال على شاكلة رئيس أركان غولاني خارج الخدمة.
من المعلوم أن القرار 1701 الذي صدر في أعقاب الحرب العدوانية على لبنان في 2006، ومنذ تاريخه وحتى قبيل ٨ تشرين الأول ٢٠٢٣، قام الاحتلال بخرقه أكثر من ثلاثين ألف مرة بأقل التقادير، واليوم نحن أمام القرار ذاته؛ ليبقى الرهان مجدداً من يضمن الكيان عدم الخرق له، وقبل ذلك الرهان على التزام العدو ببنوده من دون أي مراوغة أو تفسيرات خارج الإطار، وخاصة أن نتنياهو أعطى الضوء الأخضر لتوقيع الاتفاق مكرهاً، تحت ألم ضربات المقاومة، وخوفاً من قرار في مجلس الأمن ضده.
من المؤكد أن هرولة نتنياهو نحو توقيع الاتفاق؛ وترويج وسائل الإعلام الإسرائيلية الداعمة له للاتفاق، يعكس حجم المأزق الذي يكابده نتنياهو في مواجهة حزب الله، والذي أكد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وهو المخول بالتفاوض من لبنان وحزب الله، بأن «الفضل للتوازن في بنود الاتفاق يعود للمقاومين الأبطال في الميدان»، كما يعكس حجم الفجوة بينه وبين المجتمع الإسرائيلي، إذ أقر عميد احتياط في الجيش الإسرائيلي بأنّ «أيّ اتفاق، حتى أفضلها، لن يحلّ أزمة الثقة والهوّة التي بين الجانبين»، ويقصد بين المستوطنين والقيادة المحلية، وبين سلطات إسرائيل والمؤسسة الأمنية والعسكرية.
أياً كانت المبررات الإسرائيلية، فإن ذهاب قادة الكيان إلى التوقيع، هو بمنزلة صراخ في أرض المعركة ظهر بهيئة ١٧٠١ في السياسة، وهو أيضا صك استسلام بلبوس اتفاق، واعتراف أن حزب الله استطاع فرض معادلة ردع جديدة، معادلة رسمتها صواريخ المقاومة التي دكت تل أبيب، واستطاعت احتلال شمال فلسطين المحتلة بالنار.