«فيتوات» أميركا الخمسة ضد وقف الحرب!
| عبد المنعم علي عيسى
باستخدام الولايات المتحدة لحق النقض الـ«فيتو» ضد مشروع قرار يطالب بـ«وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة»، يوم الأربعاء الماضي، تكون الأخيرة قد أرادت القول أنها تؤيد، وبشكل مطلق، «المبرر» الذي أطلقه وزير الحرب الصهيوني السابق يوآف غالانت عشية إعلان حربه على غزة حين قال: «لقد أمرت بفرض حصار كامل على قطاع غزة، لا كهرباء، لا طعام، لا غاز، كل شيء مغلق، نحن نقاتل الوحوش، ونتصرف وفقا لذلك»، ولم يعد من الممكن لها التواري وراء تلوينات من نوع اعتراضها على «بعض التفاصيل» التي جاءت على لسان مندوبها قبيل أن يرفع يده معلنا الـ«فيتو»، والمؤكد هو أنه لو تم الأخذ بكل الاعتراضات الأميركية على مشروع القرار ما كان لواشنطن أن تمرره.
أيدت 14 دولة مشروع القرار، لكن ذلك لم يكن كافياً لوقف آلة القتل الإسرائيلية، وما الصوت الأميركي، الرافض الوحيد لذاك الفعل، إلا تأكيد على تفويض أميركي مفاده أن شيئاً لم يتغير، وأن بإمكان تلك الآلة أن تسير على رتمها السابق، أو تصعد فيه، بل ويشير إلى أن هناك «ميثاقاً» أميركياً- إسرائيلياً مضمر يختلف جذرياً عن «الميثاق» الذي تتبناه الأمم المتحدة والذي لا يزال البعض مؤمناً بأنه لا يزال «قيد الخدمة»، فالولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، تقولان: إن إطلاق سراح الرهائن يجب ألا يكون مشروطاً، لكن السؤال القائل بـ: هل يجب أن يكون قتل الفلسطينيين مشروطاً أيضاً؟! لا يلقى، على الرغم من طرحه، آذاناً مصغية طالما أنه خارجاً عن حنجرة غير أميركية، وإذا ما كانت حماس تحتجز 100 رهينة إسرائيلية، فهل هذا يشكل مبرراً لاحتجاز إسرائيل لـ2.5 مليون فلسطيني كرهائن، بل والدفع بهم إلى موت تدريجي محتم؟
بعيداً عن مجلس الأمن و«فيتوات» أميركا الخمس فيه منذ عملية «طوفان الأقصى»، كانت الدعوات التي تطالب بوقف العدوان قد عمت أرجاء العالم، بل إن الغرب على الضفة الأخرى من الأطلسي كان قد التزم الحياد، على الأقل، تجاه إصدار «الدائرة التمهيدية الأولى» في «المحكمة الجنائية الدولية» لمذكرتي توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير حربه غالانت بعد ساعات فقط من استخدام الولايات المتحدة لحق الـ«فيتو»، فيما قال البعض إنه ملتزم تماماً بما يصدر عن تلك المحكمة، الأمر الذي يعني وجود انقسام غربي- غربي تجاه الحرب الدائرة في غزة، وطرق التعاطي معها، ولربما كان الأوروبيون أكثر تقديراً للمآلات التي يمكن لها أن تصيب بنيان «النظام الدولي» فيما لو استمرت تلك الحرب لأمد أطول، فإن تستمر حملة دولة خارجة على كل مواثيق السماء والأرض، في إبادة شعب برمته ويقف العالم، برمته أيضاً، عاجزاً عن ردعها، فذاك أمر من شأنه أن يطرح العديد من إشارات الاستفهام حول ذلك «النظام»، بل وحول الجدوى من استمراره.
الراجح هنا أن الدول الأوروبية في عمومها، مع استثناء المجر الوحيد، كانت قد ذهبت نحو تأييد القرارات الصادرة عن «المحكمة الجنائية الدولية» للتأكيد على موقف مغاير عن ذاك الذي تتخذه الولايات المتحدة حيال السلوك البربري الإسرائيلي، لكن هذا التضاد الأوروبي، مع الرؤية الأميركية، لم يصل بعد إلى بلورة حالة قادرة على تعديل ميزان القوى تجاه الصراع الدائر في المنطقة، ولربما كان للأمر اعتباراته الأوروبية المهمة التي من أبرزها أن حالة التضاد مع الأميركي، من الصعب لها أن تذهب نحو مراحل أعلى انطلاقاً من حقيقة مفادها أن جل الأوروبيين لا يزال هاجسهم الأمني منحصراً عند الحرب الأوكرانية، وما هي النتائج التي سوف تصير إليها، ومن المؤكد أنه من الصعب على الأوروبيين تجاهل «المسند» الأميركي في معرض سعيهم نحو تهدئة تلك الهواجس.
واقع الأمر أن وقف إطلاق النار في غزة لن يحل الكارثة المستمرة منذ نحو 14 شهراً على شعبها، لكن تلك خطوة لا بديل عنها نحو معالجة تلك الكارثة التي يبدو أن الولايات المتحدة مؤمنة بأن «أوان معالجتها لم يحن بعد»، أما متى يحين؟ وفق الرؤية الأميركية، فذاك يعود لمدى استعداد المنطقة، أو نضوج مواقف دولها، للترتيبات التي تسعى واشنطن إلى إنضاجها، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى شطب المكتسبات التي تحققت بفعل «طوفان الأقصى»، وكذا بفعل الصمود الأسطوري الذي يبديه مقاتلو «حزب الله» في الجنوب اللبناني، لكن المدى الأبعد لتلك الترتيبات، فهو يذهب إلى ضمان عدم تكرار ما حصل في المدى الواقع ما بين الـ7 من تشرين أول 2023 وبين اليوم.
كاتب سوري