قلت وقال
| حسن م. يوسف
أعجبت بذكائه منذ أول لقاء لنا، قبل قرابة نصف قرن، لكننا لم نفترق يوماً على اتفاق، لأن وجهات نظره كانت في الأعم الأغلب تمثل نقيض ما أومن به! لكن وضوحه في الطرح وإخلاصه البيِّن لوجهات نظره جعلني استجيب لاتصالاته المتباعدة، وبين فترة وأخرى كانت مكالماتنا الهاتفية تثمر عن لقاء ينتهي دائماً بتأكيد عدم الاتفاق! هو رجل أعمال من أبناء بلاد الشام طالت سكين سايكس بيكو جذوره غير مرة، لكنه لم يعترف بالحدود، إذ جمع ثروته الكبيرة من سورية ثم تقاعد في لبنان، وهو الآن شبه متفرغ لمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، وإعادة نشر ما يروقه مما يقرأ، مذيلاً بعبارة (منقول)، من دون ذكر اسم المؤلف طبعاً، كما لو أن عبارة (منقول) الكريهة هذه تبرئ ذمته من تهمة القرصنة! خلاصة رأي الرجل هو أننا نفقد ثرواتنا وأرواح أبنائنا في الصراع مع الغرب منذ ما ينوف عن القرن وهو يرى أننا يجب أن نعثر على طريقة ذكية لاقتسام ثرواتنا مع الغرب بدلاً من أن نفقدها ونفقد أرواحنا معها.
وخلاصة كل ردودي على الرجل هو أن الغرب لا يسمح لنا أن نكون شركاء له في ثرواتنا فهو يخيرنا بين أمرين أحلاهما مر؛ إما العبودية أو المقاومة وما من خيار آخر! صبيحة إعلان (وقف إطلاق النار) على الجبهة اللبنانية استبدل صاحبنا قصته على الفيس بوك بصورة رجل وجهه متورم من كثرة الضرب لدرجة أنه لا يستطيع أن يفتح عينيه لكنه يبتسم بسعادة، وقد كانت دلالة الصورة واضحة في ذلك التوقيت، لكن عدم ثقة الرجل بذكاء المفسبكين أغراه بأن ينشر على الصورة عبارة «النصر الإلهي».
علقت على الصورة بعبارة: «لا تليق الشماتة بالشرفاء».
«وأرسلتها له مع التعليق على الخاص».
قال: «لا علاقة للشرف هنا، فالشماتة هي لعميان البصيرة».
قلت: «الكلام على المتكئ هين».
قال: «كلٌ يجاهد من موقعه، مللنا مزاودات واحتكاراً للوطنية والشرف».
قلت: «مَنْ المزاود في المعادلة، من يغامر بدمه وممتلكاته أم من يشعر بالملل؟».
قال: «عندما تتم المغامرة بمصير بلد وشعب بأكمله من قبل محتكري القرار، فيحق لمن لا يوافق على هكذا نهج وعلى هكذا مغامرات غير محسوبة تنتهي بنتائج كارثية كل مرة، أن يعترض ويجاهر باعتراضه وحتى لو تم استسهال رميه بصفة العمالة».
قلت: «أنت أذكى من هذا الجواب».
قال: «لماذا نريد دوماً ليّ عنق الحقيقة وإيجاد تخريجات كي نستمر بالدفاع عن اصطفافاتنا؟» قلت: «لا أحب كلمة اصطفافات. وأنت تعلم أنها أضيق من أن تلبسني إياها».
قال: «أنت تعرف مواقفي منذ بداية صداقتنا وحواراتنا».
قلت: «أنا لم أتهمك بشيء لكنك تسمح لنفسك أن تتهمني بلي عنق الحقيقة… إلخ».
قال: «أنا كنت أشير إلى المنطق الذي يواجهني كل مرة من مؤيدي نهج الممانعة ولم أقصدك بالذات».
قلت: «لا تُمَيِّع الكلام! أنت تقصدني طبعاً لأنني الوحيد الذي يكلمك الآن».
قال: «أنتَ بدأت بالقول إني أشمت بالشرفاء، ومن يشمت بالشرفاء لا يخلو من ضِعة…».
قلت: «أعد قراءة العبارة، ستجد أنني قلت لك إنه لا يليق بك كمواطن شريف أن تمارس الشماتة. لكن شعورك بالذنب هو الذي قادك إلى حيث وصلت».
قال: «ليس لديّ أدنى شعور بالذنب».
مواقفكَ لم تتغير يا صديقي رغم كل هذه الأهوال، وهذا يقودني إلى الإشارة للاصطفاف لأن الذكي الذي يأبى مراجعة قناعاته، عادةً ما يمنعهُ اصطفافه من ذلك.
قلت: «أنت أيضاً مواقفك لم تتغير رغم كل هذه الأهوال، فهل يمنعك اصطفافك من ذلك؟ ثم، هل من الطبيعي أن يكون المرء مواطناً في هذه البقعة من العالم وليس لديه أدنى شعور بالذنب؟ يجب أن يكون ملاكاً أو نصف إله»….. ولم ينته الكلام.