اقتصاد

الخبير الاقتصادي قحطان السيوفي: 122 محطة في رحلة الاقتصاد السياسي الدولي.. والزمن 5 سنوات من عمر الحرب على سورية

جلس أمام مقود الأفكار.. ضبط المرآة الخلفية على محور الاقتصاد السياسي الدولي، ومضى في رحلة عبر الزمن استغرقت خمس سنوات، مرّ خلالها على 122 محطة مهمة في ذاكرة العالم القريبة، وعند المحطة الأخيرة، ختم دليله لقيادة الأفكار الاقتصادية والسياسية، ضامناً لمن يستخدمه؛ رؤية أوضح للعالم عبر الزجاج الأمامي.
في رحلة فكرية شائقة، قدم الباحث الاقتصادي الدكتور قحطان سيوفي في كتابه (محطات في الاقتصاد السياسي الدولي) قراءة هادئة ورصينة لأبرز الأحداث الاقتصادية والسياسية على المسرح العالمي، طوال خمس سنوات من عمر الحرب على سورية (2011-2015).
ولتفادي التشتت والتشويش الفكري، قلّم السيوفي كل الأفكار والأحداث الفرعية والتفصيلية، مبرّزاً الفكرة الرئيسية التي يرغب في إيصالها إلى القارئ، وملخصاً الحدث وموقفه منه بصفحتين على الأكثر، فكان كلامه نعم نعم، لا لا.. فظهر الكتاب وكأنه سلسلة من 122 زاوية رأي، مكتوبة بأسلوب صحفي واضح، اختلفت مواضيعها، وتنوعت بين السياسة والاقتصاد، والعالمي والإقليمي والمحلي، لكنها تدرجت وفق مسار تاريخي متسلسل، ومضبوط بدقة، على ساعة وقوع الحدث.
عالج الكاتب أهم الموضوعات التي لها علاقة بالمشهد الاقتصادي السياسي الدولي في الشوط الثاني من ولاية الرئيس الأميركي أوباما؛ حيث التردد، والتخبط في السياسة الداخلية والخارجية الأميركية سيد الموقف، ففي داخل الولايات المتحدة كان للأزمة الاقتصادية تداعياتها؛ تضخم هائل للدين العام الأميركي، وعجز الموازنة، والبطالة… وأصبح موضوع سقف الدين العام الأميركي مشكلة سياسية واقتصادية تهدد بإفلاس الحكومة الأميركية لأول مرة في تاريخ (أكبر اقتصاد في العالم)، بل كادت تهدد مستقبل الرئيس الأميركي أوباما في الانتخابات الرئاسية الثانية 2012… وكل ذلك أدى إلى إرباك ونوع من الشلل السياسي والاقتصادي لدرجة أن رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية قال: (الدين العام للولايات المتحدة يشكل أكبر خطر على الأمن القومي الأميركي). يضاف إلى ذلك الصراعات والخلافات الثأرية بين الحزبين الأميركيين الكبيرين (الديمقراطي، والجمهوري).
وعرض الكاتب موقفه من فقدان الولايات المتحدة جزءاً من هيبتها الاقتصادية، ووزنها الائتماني في ظل هذه الوقائع، ومعاناة دول الاتحاد الأوروبي من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية، حتى أصبحت منطقة اليورو مهددة بالتفكك.
ولم ينس المرور على محاولات بعض حكومات الإمبراطوريات الأوروبية الاستعمارية القديمة البائدة كفرنسا وبريطانيا استعادة بعضٍ من نفوذها الضائع، عبر تدخلها في أحداث ما سمي الربيع العربي، ومحاولة تصدير مشاكلها الداخلية هروباً للأمام، فكانت النتيجة الفشل والمزيد من الضعف الاقتصادي، وبالمقابل شعرت الولايات المتحدة الأميركية المربكة، والقلقة، في ظل الأزمة، أنه لم يعد لديها قدرة أو مصلحة ذاتية في (كتابة القواعد العالمية وتطبيقها) وشعرت واشنطن ومعها عواصم الدول الصناعية الكبرى السبع أنها عاجزة عن قيادة الاقتصاد العالمي ومواجهة تداعيات الأزمة، فلجأت إلى تشكيل (مجموعة الدول العشرين) في محاولة لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية العالمية، فجاءت نتائج أعمال اجتماعات هذه المجموعة استعراضية وكأنها (اتفاق مهذب على الاختلاف).
وركّز السيوفي على صعود مجموعة الدول الصاعدة المسماة (بريكس) وتضم (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا) مقابل مجموعة العشرين، فبدت مجموعة دول بريكس وكأنهم حراس غيورون على السيادات الوطنية لدولهم… كما أظهرت بريكس قدرة كبيرة على تجاوز آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، وحققت نسب نمو مرتفعة، ورقة موضوع (مجموعة بريكس؛ قطب عالمي جديد) وتصدت بقوة للهيمنة الأميركية بما في ذلك استخدام روسيا، والصين حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد مشاريع القرارات السياسية المدعومة أميركياً ضد الدولة السورية، ورقة موضوع (روسيا، والصين والوقوف مع الحق).
إضافة إلى ظهور العملاق الاقتصادي الصيني كأكبر دائن للولايات المتحدة الأميركية، وتملك الصين أكبر احتياطي للنقد الأجنبي في العالم أكثر من (3.7) تريليونات دولار، فبدت الثنائية الاقتصادية (الأميركية الصينية)، وكأنها صراع وتحالف بين (الأصدقاء الأعداء) في إطار المصالح المشتركة بعد إخفاق الرهان الأميركي على إسقاط الصين اقتصادياً.
وحضرت الأزمة الاقتصادية العالمية بقوة في كتاب السيوفي، وهي التي أسست لتحولات تاريخية لم تسلم منها الدول النامية. كما حضرت مواضيع تدخل دول وقوى عالمية وإقليمية لدعم وتمويل الإرهاب الذي أسهمت في إيجاده، وسرعان ما بدأت تعاني منه، في تركيا، وفي بعض دول الخليج النفطية انطلاقاً من أن طابخ السموم لا بد أن يذوقها.. فعمدت إدارة الرئيس أوباما وحلفاؤها الإقليميون والعرب- الذين دعموا ومولوا الإرهاب- أصلاً- إلى تشكيل سيناريو (التحالف الدولي لضرب الإرهاب) وقد أثبتت الوقائع أن هذا التحالف ذو طابع استعراضي لم يؤد إلى أي نتيجة، وعمدت القوى الدولية والإقليمية المتحالفة بقيادة إدارة أوباما إلى ابتداع مخطط تآمري جديد لمواجهة جبهة قوى الممانعة والمقاومة الممتدة من موسكو عن طريق تسييس السوق النفطية العالمية، وابتدعوا سيناريو تخفيض أسعار النفط العالمي بهدف إضعاف روسيا وإيران اقتصادياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن