وكل دروب الحب توصل إلى حلب … شعراء تغنوا بحلب وتغزلوا فيها.. منهم قباني والعيسى وأبو ريشة
| وائل العدس
تحتضن حلب بين أزقتها وحاراتها تاريخاً يمتد لآلاف السنين، يجعلها بموقعها الجغرافي واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، وتتميز بتراثها الغني وتنوعها الثقافي، حيث تلتقي الحضارات القديمة بالحداثة في مزيج ساحر يجذب الزوار من كل أنحاء العالم، من أسواقها التقليدية التي تعبق برائحة التوابل والعود، إلى قلعتها المهيبة التي تروي قصصاً من الصمود والمجد.
تأخذك حلب في رحلة عبر الزمن، لتعيش تجربة سياحية فريدة تتجاوز حدود الخيال سواء كنت من عشاق التاريخ أم الفن المعماري أو محبي التجوال بين الأسواق، فإن حلب تعدك بتجربة لا تُنسى، تجمع بين عبق الماضي وروعة الحاضر.
ويليق بحلب الشعر وكل قصائد الغزل، فهي على عهدها منذ فجر التاريخ، صامدة لا تهرم ولا تهزم ولا تنكسر، وبدأ من عندها التاريخ وتوقّف لأجلها ليسترسل الحكواتي القابِع في أزقتها وحواريها في سرد كل الحِكايات والأساطير عن فاتنة جميلة تدعى الشهباء.
«الوطن» رصدت بعضاً مما قاله الشعراء في حب حلب في السطور التالية:
كل الدروب
قبل نحو 36 عاماً، رددها بأعلى صوته على منبر الشعر بحلب، ليحكي قصة عشقه لهذه المدينة الصادمة بوجه الإرهاب العالمي.
نزار قباني الذي انقطع عن حلب قرابة 25 عاماً ارتجل قصيدته تلك في أول زيارة لها بعد طول غياب محتضناً ترابها.
ففي يوم 21 كانون الأول عام 1980 قام «شاعر الياسمين» بزيارة حلب بلهفة وحب بدعوة من الاتحاد الوطني لطلبة سورية معتذراً عن طول الغياب، فارتجل قصيدته في أمسية شعرية دامت ساعات طويلة تبادل فيها نزار وحلب العتاب والعشق، ويقول فيها:
أيها الأحباء
كل الدروب لدى الأوروبيين توصل إلى روما
كل الدروب لدى العرب توصل إلى الشعر
وكل دروب الحب توصل إلى حلب
صحيح أن موعدي مع حلب تأخر ربع قرن
وصحيح أن النساء الجميلات لا يغفرن لرجل
لا ذاكرة له ولا يتسامحن مع رجل لا ينظر
في أوراق الروزنامة..
ولا يقدم لهن فروض العشق اليومي.
كل هذا صحيح ولكن النساء الجميلات وحلب
واحدة منهن
يعرفن أيضاً أن الرجل الذي يبقى صامداً في نار العشق
خمساً وعشرين سنة ويجيء ولو بعد خمس وعشرين سنة
هو رجل يعرف كيف يحب ويعرف من يحب
ربما لم أضع حلب على خريطتي الشعرية
وهذه إحدى أكبر خطاياي ولكن حلب كانت دائماً
على خريطة عواطفي وكانت تختبئ في شراييني
كما يختبئ الكحل في العين السوداء
وكما يختبئ السكر في حبة العنب
واليوم تتفجر الحلاوة كلها على فمي
فلا أعرف من أين يبدأ الشعر ومن أين
يبدأ النبيذ ومن أين تبتدئ الشفة
ومن أين تبتدئ القبلة
ومن أين تبتدئ دموعي
ومن أين تبتدئ حلب
لا أريد أن أتغزل بحلب كثيراً
حتى لا تطمع
ولا أريد أن أتكلم عن الحب
بقدر ما أريد أن أحب
كلماتنا في الحب تقتل حبنا
إن حروفنا تموت حين تقال
كل ما أريد أن أقوله إن حب النساء
وحب المدن قضاء وقدر
وها أنذا في حلب
لأواجه قدراً من أجمل أقداري
مالنا كلنا
لعل أشهر قصيدة عن حلب كانت للشاعر المتنبي الذي وصف الشهباء بقصيدة «ما لنا كلنا جوٍ يا رسول» فقال في بعض أبياتها:
لا أقمنا على مكان وإن طاب
ولا يمكن المكان الرحيل
كلما رحبت بنا الروض قلنا
حلب قصدنا وأنت السبيل
فيك مرعى جيادنا والمطايا
وإليها وجيفنا والذميل
سقى ثرى حلب
أما أبو فراس الحمداني فقال في حلب:
سقى ثرى حلب ما دمت ساكنها
يا بدر غيثان منهل ومنبجس
أسير عنها وقلبي في المقام بها
كأن مهري لثقل السير محتبس
هذا ولولا الذي قلب صاحبه
من البلابل لم يقلق به فرس
كأنما الأرض والبلدان موحشة
وربعها دونهن العامر الأنس
مثل الحصاة التي يرمي بها أبداً
إلى السماء فترقى ثم تنعكس
سقى حلب
لكن أكثر من امتدح حلب كان شاعرها الصنوبري الذي قال:
سقى حلب المزن مغنى حلب
فكم وصلت طرباً بالطرب
وكم مستطاب من العيش لذ
بها إذ بها العيش لم يستطب
إذا نشر الزهر أعلامه
بها ومطارفه والعذب
غدا وحواشيه من فضة
تروق وأوساطه من ذهب
رسالة الغفران
أما الشاعر أبو العلاء المعري فقد رأى أن حلب علاج ودواء، فقال:
حلب للوارد جنة عدن
وهي للغادرين نار سعير
والعظيم العظيم يكبر في
عينه منها قدر الصغير الصغير
وفي «رسالة الغفران» قال:
يا شاكي النوب انهض طالباً حلبا
نهوض مضنى لحسم الداء ملتمس
واخلع إذا حاذيتها ورعا
كفعل موسى كليم الله في القدس
الشعر الحديث
وفي الشعر الحديث، قال سليمان العيسى:
تباركت صخرة بيضاء يابسة
تعطي العباقر سماها الهوى حلبا
بينما يقول عمر أبو ريشة:
وما حلب؟ إنها وثبة
من الخيل في شوطها اﻷقصر
الأخطل الصغير قال في وصف حلب قائلاً:
نفيت عنك العلة والظرف والأدبا
وإن خلقت لها إن لم تزر حلبا
لو ألف المجد سفرا عن مفاخره
لراح يكتب في عنوانه حلبا
وقال بها جبران:
ما الذي أنجبت حلب
من جمال هو العجب
ومن اللطف والحجي
ومن الظرف والأرب