الفن التشكيلي بريشة أبناء حلب حاضرة في أعمال كبار الفنانين السوريين الذين وثقوا تاريخها العريق
| مصعب أيوب
اتجه رواد الفن التشكيلي في حلب للتوثيق عبر أعمالهم ولوحاتهم، وخلدوا الأحياء القديمة للمدينة والأزقة والأسواق بلمسات لونية ساحرة، وقد غدا الفن التشكيلي عنصراً مهماً للتوثيق ويحمل ذاكرة المدينة العريقة وتاريخها الثقافي والفني والعمراني.
ورصدت الحركة التشكيلية في منتصف وبعد منتصف القرن الماضي جمال المباني والقلاع والعمران الذي جذب السياح والزوار من شتى أنحاء العالم، فشكل رواد الفن التشكيلي وأعلامه في حلب ذاكرة بصرية بديعة للمكان، بعد أن امتزجت أعمالهم بروح العراقة التاريخية للمدينة، وما إن تقف أمام إحدى اللوحات حتى تجد فيها توازناً بصرياً وهندسياً ورياضياً بعد أن تلمس ذلك من خلال الارتفاع والمساحة واللون، ولعل الخليط الزاخر للبيئة الحلبية والتي عجنت بالأصالة والقداسة والزخارف والتنوع العمراني يستفز الفنان ويخرج منه أجمل ما عنده.
وكانت الحصة الأكبر من موضوعات الفنانين التشكيليين أبناء حلب للمدينة القديمة من حلب وأسواقها وأزقتها وقلعتها الشهيرة لتصبح هذه الأعمال وثيقة تاريخية وموروثاً فنياً شعبياً حلبياً أصيلاً.
وهنا لا بد أن نستذكر أبرز أعلام الفن التشكيلي من حلب والذين كان من رواد الحركة التشكيلية وحملوا معهم جمال مدينتهم في معظم معارضهم، ومنهم :
لطفي جعفر ١٩٤٢: الذي يعتبر من أبرز خطاطي حلب وكان معرضه الأول في مونتريال بكندا في عمر الثلاثين ليكون معرضه الثاني بعد عامين في بغداد، والثالث في نيويورك عام ١٩٩١ وفي دمشق عام ٢٠٠٠، وقد غلب على أعماله الطابع الحروفي مركزاً على إبراز جمالية الشكل العربي للحرف.
وكان لؤي كيالي منخرطاً بالحياة الشعبية وقريباً من البسطاء والفقراء، فركز على تصوير الباعة المتجولين ومعاناتهم متناولاً البؤس والفقر ومعاناة الطفولة، وقد عاش كيالي اضطراباً نفسياً بعدما أحرق لوحات معرضه في سبيل القضية ١٩٧٤ الذي جسد في لوحاته الثلاثين المعاناة الفلسطينية، وقد توفي كيالي شاباً بعمر ال٤٤ بعد أن احترقت غرفته إثر عقب سيجارة.
محمد غالب سالم مواليد ١٩١٢: وتتلمذ على يد الفنانين صبحي السراج ومنيب النقشبندي، وقد أوفد إلى إيطاليا ليتخرج في أكاديمية الفنون في روما ليقدم مشروعه «قوس النصر» الذي حفر على اللينيوم واحتفظ به في نقابة الفنانين، وقد كان له العديد من المؤلفات والدراسات البحثية والكتب التي شكلت مساهمة متميزة في التشكيلي المعاصر باستخدامه لغة ومصطلحات فنية حديثة، وعلى الرغم من أن سالم لم يكن لديه إنتاج فني زاخم وغزير، لأنه كان منشغلاً في الكتابة والتأليف والبحث والدراسة وكان متولياً لعدد من المهام الرسمية، إلا أن نتاجه كان غنياً وعميقاً.
والفنان فاتح المدرس الذي عمل أستاذًا بكليّة الفنون الجميلة في دمشق، وانتُخب عضوًا في المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية ورئيسًا لنقابة الفنانين، إضافة إلى أنّه أحد الأعضاء المؤسّسين لاتّحاد الفنانين التشكيليين العرب، وعضوٌ في اتحاد الكتَّاب العرب.
ومن لوحاته الشهيرة «كفرجنة» وهي اسم قرية في ريف حلب الشماليّ، وقد حاز بها الجائزة الأولى عام 1952م في مسابقة وزارة المعارف، وحقق بها شهرة واسعة.
عبد الرحمن موقت : ولد في مدينة حلب سنة 1946 ودرس فيها، وفي سنة 1965 بدأ دراسة الفن التشكيلي، وحصّل علومه ببحثه الشخصي وبدراسة مجموعة كبيرة من الكتب المتخصصة في علوم وتقنيات الفن التشكيلي، كما أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية والرسمية، ثم تفرغ لممارسة النحت في محترفه الخاص ولتدريس مادة النحت في مركز الفنون التشكيلية في حلب.
وسافر إلى إيطاليا ودرس النحت العاري في أكاديمية روما وأقام معرضاً لأعماله الصغيرة فيها.
وبعد عودته إلى سورية بدأ بإعداد الدراسات النصبية لعدد من الساحات والميادين حيث بدأ بتنفيذ عدد من الأعمال النصبية بساحات مهمة وحيوية في سورية كان منها:
النصب التذكاري للشهداء في ساحة سعد الله الجابري (1984-1985) وقد نفذ بمادة الحجر الحلبي الأصفر.
والنصب التذكاري قاعدة المجد القتالي: مدخل مدينة الرستن- حمص (1986-1987) نفذ بالرخام الإيطالي (100 طن من الرخام).
ونفذ اللوحة الجدارية بمادة الرخام الإيطالي لنصب الشهيد باسل الأسد (2002-2003) حلب – ساحة الشهيد باسل حجم اللوحة 25 متراً مكعباً رخام إيطالي.
ونظم ساحة مطار حلب الدولي ونفذ اللوحة التشكيلية المائية (2001-2002) بمادة السيراميك الملون الصغير بمساحة 300 متر مربع فسيفساء.
كما صمم ونفذ النصب التذكاري لمطار حلب الدولي (2003-2004) بمادة البرونز ارتفاع التمثال 8.50 أمتار وزنه 5.2 أطنان.
الفنان وحيد مغاربة: مواليد حلب 1942 الذي درس الفن دراسة خاصة ونال إجازة في التصوير من أكاديمية روما للفنون الجميلة 1978، وأقام أكثر من 20 معرضاً فردياً في سورية ولبنان وإيطاليا، علاوة على أنه شارك في العشرات من المعارض الجماعية داخل القطر وخارجه من عام 1960.
كما أعد رسوم كتاب (تاريخ الطب عند العرب) الصادر في باريس، وقد اقتنيت أعماله من وزارة الثقافة السورية، المتحف الوطني بحلب، المتحف الوطني بدمشق، متحف دمّر وضمن مجموعات خاصة داخل وخارج القطر.