بلاده في مفترق طرق واقتصاد يترنح مع إخفاق إجراءات إنقاذه.. وقلق أوروبي … ماكرون يوقع اتفاقيات مع محمد بن سلمان لتهدئة عدم الاستقرار السياسي الذي يهز فرنسا
| وكالات
بينما يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها بلاده عبر زيارة السعودية وإيجاد توافقات معها في هذا الجانب، تقف فرنسا على أعتاب منعطف سياسي خطر قبيل ساعات من التصويت على حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء الفرنسي، ميشيل بارنييه، اليوم الأربعاء، في تطور قد يؤدي إلى أول سقوط لحكومة فرنسية منذ عام 1962.
ماكرون الذي بدأ أول من أمس الاثنين زيارة إلى السعودية تستمر ثلاثة أيام، قال أمس الثلاثاء في كلمة أمام منتدى الاستثمار السعودي الفرنسي في الرياض: إن السعودية تعد شريكاً موثوقاً بالنسبة لفرنسا على مدار سنوات طويلة، وفق موقع قناة «الشرق» السعودية.
وأضاف: «توصلنا إلى مشاريع اقتصادية مشتركة وواعدة مع السعودية»، لافتاً إلى أن باريس «تعمل على توسيع نطاق الشراكات مع السعودية وتعزيزها بمزيد من الاستثمارات»، واعتبر الرئيس الفرنسي أن «رؤية السعودية 2030 تتلاقى مع طموح بلاده في مجال الطاقة»، وقال ماكرون: «نريد تعزيز الشراكة بين السعودية وفرنسا في الرقمنة والذكاء الاصطناعي»، لافتاً إلى أن باريس لديها «شراكات واعدة في القطاع السياحي مع السعودية».
وأشار الموقع بهذا الصدد إلى أن السعودية وفرنسا وقعتا اتفاقيات جديدة في مجال الطاقة، كما جرى توقيع اتفاقيات لـ«توفير الوقود المستدام للطيران» بين شركات سعودية وفرنسية، وقال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، إن «الشراكة مع فرنسا مهمة للطرفين وتتطور بشكل مستمر».
وعند وصوله مساء الاثنين إلى الرياض بعد بروز أزمة حكومية في بلاده، توجه الرئيس الفرنسي إلى القصر الملكي والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حيث وقع الجانبان شراكة استراتيجية تهدف إلى «مضاعفة التعاون في جميع المجالات»، من الدفاع إلى التحول البيئي والثقافة، كما «اتفقا على بذل كل جهد للمساهمة في وقف التصعيد» في الشرق الأوسط، حسب الإليزيه، وحثا بشكل خاص على انتخاب رئيس في لبنان بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني بين إسرائيل وحزب الله الموالي لإيران.
زيارة ماكرون تأتي في وقت كشفت فيه صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، عن تفاصيل الأزمة السياسية المعقدة التي تهدد باستمرار حالة عدم الاستقرار في ثاني أكبر اقتصادات منطقة اليورو، وتضع الرئيس إيمانويل ماكرون أمام أصعب اختبار سياسي في ولايته الثانية.
وفي خضم أجواء سياسية متوترة، اتخذ ميشيل بارنييه، المفاوض السابق للاتحاد الأوروبي في ملف «بريكست» والذي تولى رئاسة الوزراء الفرنسية في أيلول الماضي، قراراً مثيراً للجدل باستخدام آلية دستورية لتجاوز البرلمان وتمرير مشروع قانون لتمويل الضمان الاجتماعي والموازنة العامة، وكشفت «ليبراسيون» أن هذه الخطوة جاءت بعد أسابيع من المفاوضات المضنية مع مختلف الكتل البرلمانية، في محاولة يائسة لإنقاذ خطته الاقتصادية التي تهدف إلى سد فجوة مالية ضخمة في الميزانية الفرنسية، في خطوة وصفت بأنها القشة التي قصمت ظهر البعير، بالنسبة لحكومة بارنييه، إذ سارعت المعارضة اليسارية، ممثلة في تحالف الجبهة الشعبية الجديدة، إلى تقديم مذكرة لحجب الثقة.
وفي تطور لافت، أعلن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، انضمامه إلى جبهة المعارضين للحكومة، في تحالف غير مسبوق يعكس عمق الأزمة السياسية التي تعيشها فرنسا، ومن المقرر أن يجري التصويت على حجب الثقة في وقت مبكر اليوم الأربعاء، وتشير كل المؤشرات إلى احتمال كبير لنجاحه (التصويت)، فيما ذكرت صحيفة «ليزيكو» الفرنسية أنه في حال تمرير التصويت، لن يكون أمام بارنييه سوى تقديم استقالته، لتدخل الحكومة في وضع «تصريف الأعمال».
وأمام هذا الوضع تبرز إلى الواجهة معضلة ماكرون والخيارات المحدودة، إذ سلطت صحيفة «بوليتيكو» الفرنسية الضوء على المأزق السياسي الذي يواجه الرئيس الفرنسي، الذي يجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه، فمن ناحية، يمنعه الدستور من الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة قبل صيف العام المقبل، نظراً لأنه سبق أن لجأ إلى هذا الخيار في تموز الماضي بعد هزيمة حزبه في الانتخابات الأوروبية، ومن ناحية أخرى، تبدو خياراته محدودة في تشكيل حكومة جديدة قادرة على البقاء في ظل برلمان منقسم بشدة.
ونقلت «بوليتيكو» عن بنجامين موريل، المحلل السياسي في جامعة باريس بانثيون-أساس، قوله إن «الأصوات المطالبة باستقالة ماكرون نفسه قد تتزايد، خاصة مع تلويح مارين لوبان بإسقاط أي حكومة جديدة حتى يستقيل الرئيس»، غير أن ماكرون نفى بشدة أي نية للاستقالة.
ووفقاً للدستور الفرنسي، سيظل ماكرون في منصبه حتى انتهاء ولايته في 2027، لكن من المؤكد «تقريباً» أن مكانته السياسية ستشهد المزيد من التراجع، فيما تجدر الإشارة إلى أن ماكرون لا يمكنه الترشح لولاية جديدة بسبب القيود الدستورية على فترات الرئاسة.
الأزمة السياسية هذه تأتي في توقيت بالغ الحساسية للاقتصاد الفرنسي، الذي يعاني عجزاً هائلاً في الميزانية، إذ تشير «بوليتيكو» إلى أن محاولات بارنييه احتواء هذا العجز من خلال حزمة من إجراءات التقشف وزيادة الضرائب باءت بالفشل، مع تزايد المخاوف في الأسواق المالية من تداعيات الأزمة السياسية على ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.
وتكشف «بوليتيكو» عن حالة من القلق المتزايد في أروقة المفوضية الأوروبية من تداعيات الأزمة الفرنسية، فبعد أن وضعت بروكسل فرنسا تحت إجراء العجز المفرط في العام الماضي، كانت قد رحبت بخطط الميزانية التي اقترحها بارنييه لخفض عجز البلاد من أكثر من 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 5 بالمئة في العام المقبل.