قضايا وآراء

التصعيد في حلب.. أي مآلات وأهداف؟!

| محمد نادر العمري

شهدت مدينة حلب السورية، بمكانتها التاريخية والاقتصادية، تصعيداً خطيراً تمثل في قيام التنظيمات المسلحة الإرهابية بشن هجوم عدواني عليها، بعد استكمال توفير كل الظروف الملائمة لذلك، سواء من خلال تجميع عناصرها وقواتها وتشكيلاتها بناء على قرار موحد من الدول الداعمة، أو من حيث تجهيزها وتحضيرها بكل الإمكانات اللوجستية والعتادية للقيام بذلك، أو حتى في استغلال ظروف وأوضاع وإنشغال الدول الحليفة والصديقة لسورية في حروب تشكل امتداداً للصراعات الإقليمية والدولية الهادفة من قبل الفواعل المؤثرة بإدارتها وإطلاقها، لتغيير طبيعة النظاميين الشرق الأوسطي والدولي لمصلحتها، يهدف إلى رسم خرائط جديدة، تكرس نفوذها وتأثيرها ويدها العليا في إدارة هذين النظامين، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي، ولتأكيد ذلك لابد من التوقف عند عدة ملاحظات كشفها عدوان التنظيمات الإرهابية على مدينة حلب والتي أطلق عليها عملية «ردع العدوان»:

أولاً من حيث التوقيت السياسي، ليس من المصادفة أن تشن التنظيمات الإرهابية مثل هذا الهجوم بالتزامن مع دخول وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، أي الساعة الرابعة بتوقيت بيروت الخامسة بتوقيت سورية من فجر يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني الماضي، على الرغم من إعلان هذه التنظيمات منذ شهرين توجهها نحو القيام بعمل عسكري ضد القوات الحكومية، والتحضير للعملية منذ أكثر من عام، وفق وصف بعض رموز ما يسمى «المعارضة السياسية» كما أن هذا العدوان تم بعد ساعات من تهديد أطلقه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد سورية عموماً والرئيس بشار الأسد بشكل خاص عندما وصفه بأنه «يلعب بالنار»، ومن ثم تصريح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركي «ماثيو ميلر» الذي وصف دور سورية بدعم الحزب في لبنان سبب للتصعيد بالمنطقة في ظل عدم رغبتها بإغلاق الحدود.

ثانياً من حيث التوجيه والمصالح والأهداف، هناك العديد من القوى والفواعل المتداخلة في الأزمة السورية، والتي لديها أهداف ومصالح لدعم هذه التنظيمات للقيام بهذه الأعمال العدوانية، وتوجيهها، سواء كان ذلك بشكل منفرد أو جماعي، وتتمثل هذه الجهات وفق الآتي:

– الفاعل التركي لديه مصلحة بدعم مثل هذا العدوان كآلية للضغط على القيادة في سورية للقبول بوساطة الروسية وفق الواقع الراهن، ولاسيما بعد فشل كل المحاولات التركية لإعادة العلاقات مع سورية دون الانسحاب من الأراضي السورية، رغم كل التصريحات التي أطلقها هذا النظام حاول من خلالها تبرئة نفسه وتنصله من مسؤولية ما حصل، ومما يؤكد انخراط النظام التركي بهذا العمل العدواني، هو مشاركة ميليشيا ما يسمى «الجيش الوطني» ذراع تركيا في سورية بهذا العدوان ضمن ما يعرف بغرفة عمليات «الفتح المبين» إلى جانب هيئة تحرير الشام «النصرة سابقاً»، وهذه المشاركة تؤكد حصول هذه التنظيمات على ضوء أخضر تركي للقيام بذلك لتحقيق مكاسب ميدانية عسكرية تترجم سياسياً، تتمثل أبرزها في إنشاء ما يسمى المنطقة الآمنة التي عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمطالبة بتشكيلها بذريعة إعادة اللاجئين السوريين بعد فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية.

– الفاعل الأميركي، دون أدنى شك فإن إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن تريد تحقيق إنجازات متعددة في إطار الصراعات والأزمات الدولية لبقاء محددات السياسة الخارجية الأمريكية في حقبة الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب على حالها دون التراجع عنها وإخضاعه لإرثها السياسي، وهو ما يفسر التصعيد في أوكرانيا وسورية الآن، كما أن واشنطن التي فشلت من خلال الكيان الإسرائيلي من إحداث تغيير في معالم الشرق الأوسط عبر البوابة اللبنانية، تسعى إلى إحداث هذا التغيير عبر التنظيمات المسلحة، فضلاً عن وجود رغبة أميركية لإدارة بايدن بإغراق الجانب الروسي في المستنقع السوري لتحقيق مكاسب عسكرية في أوكرانيا، كما إن هناك مصلحة أميركية مع بعض الدول الغربية ولاسيما ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لتصعيد الموقف في سورية، لعدم السماح بعودة اللاجئين لسورية ولقطع الطريق أمام مبادرة بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها إيطاليا للعب دور يساهم في تقريب وجهات النظر بين سورية وبروكسل، وخاصة بعد تقديم ما عرف بـ«ورقة اللاورقة» من قبل إيطاليا وسبعة دول أوروبية أخرى، تطالب الاتحاد الأوروبي بفتح قنوات دبلوماسية مع سورية والشروع برفع الحصار الاقتصاد عنها.

– الفاعل الإسرائيلي؛ تعد حكومة بنيامين نتنياهو من أكثر المستفيدين مما يحصل في الشمال السوري ولاسيما من خلال توجيه أنظار الرأي العام لدى محور المقاومة نحو سورية وصرف النظر عما حققه حزب الله من قدرة على إسقاط الأهداف الإسرائيلية في لبنان والمنطقة، كما أن إسرائيل تعد سورية بجغرافيتها وموقفها الداعم الأساسي للحزب، أحد أبرز أسباب صمود الحزب وقدرتها على لملمة جراحه، لذلك تسعى إسرائيل إلى استنزاف مقدرات سورية، وقد لا نستغرب حصول اعتداءات صهيونية أميركية متكررة خلال الأيام القادمة لمساعدة التنظيمات أو لاستنزاف الجيش السوري «بحجة استهداف ما يسمونه أذرع إيران بالمنطقة»، أو في حال تمكن الجيش العربي السوري من تحرير ما تم سلبه من هذه التنظيمات بشكل سريع.

– الفاعل الأوكراني، من المؤكد أن الوجود الأوكراني واضح بشكل جلي ولاسيما بعد التعاون الذي تم بين التنظيمات الإرهابية والمخابرات الأوكرانية، والذي شهد إرسال مقاتلين لدعم القوات الأوكرانية على الحدود الروسية، مقابل تزويد هذه التنظيمات بطائرات مسيرة حديثة ومتطورة وتدريبهم عليها، لذلك فإن أوكرانيا من خلال دعم هذه التحركات للتنظيمات الإرهابية، تهدف لاستنزاف القوات الروسية في سورية لتخفيف الضغط على الجبهة الأوكرانية التي شهدت تطورات نوعية خلال الأيام السابقة سواء كان ذلك في استعادة روسيا للعديد من القرى في مقاطعة «كورسك» أو باستخدام أسلحة نوعية بما في ذلك الصواريخ الفرط الصوتية «أوريشنيك»، فضلاً عن ذلك فإن الصور المتداولة للتنظيمات الإرهابية تؤكد حصول هذه التنظيمات على الضوء الأخضر لشن هذا العدوان من قبل دول غربية، ومساهمة العديد من الاستخبارات الغربية لمعلومات لوجستية، وتم تزويدها بأسلحة نوعية مثل النظارات الليلية والطائرات المسيرة والقذائف الحرارية.

ويمكن تأكيد هذه المعلومات حول اعتداء المجموعات المسلحة على مدينة حلب السورية، وريف حماة الشمالي، استناداً إلى بعض المعلومات التالية:

أ‌- الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وتركيا وفرنسا وأوكرانيا هي من تدير غرف العمليات بالتخطيط والدعم للتنظيمات المسلحة، وما يؤكد هذه المعلومات ما نشره أحد ضباط المارينز السابقين ومفتش أسلحة الدمار الشامل في العراق في اليوم التالي لبدء الهجوم، من أن الهجوم على حلب هو نتيجة لخطة استراتيجية بين عدة دول في مقدمتهم تركيا وإسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية.

ب‌- عدد المسلحين الذين زج بهم بهذه المعركة تراوح بين 60 إلى 65 ألف مسلح، والآلاف من هؤلاء المسلحين هم من غير السوريين يحملون الجنسيات الصينية والطاجكستانية والأوزبكية والأفغانية وغيرها من جنسيات متعددة من آسيا الوسطى وجنسيات عربية.

ج- قامت قطر بتمويل العملية والتي بلغت وفق بعض المعلومات مليار دولار.

ح- العملية كانت مقررة منذ أكثر من عام أي قبل عملية طوفان الأقصى وبالتحديد بعد عملية استهداف الكلية العسكرية الحربية بأيام، ولكن طُلب تأجيلها من غرف عمليات الدول الداعمة لهذه التنظيمات، لتكون إما مع دخول سورية الحرب إلى جانب فلسطين ولبنان، وإما بشهر آذار المقبل أي قبل بضعة أشهر من منتصف عام ٢٠٢٥ وهو الموعد الذي قدره بعض المقربين من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للانسحاب من سورية.

خ- هذا العدوان هو لا يستهدف سورية فقط، بل يأتي في إطار تصعيد إطار الصراع في الخريطة الإقليمية واستمرار للصراع القائم على مستوى المنظومتين الإقليمية والدولية.

د- تم الاعتماد مع بدء العدوان على استخدام نشر الدعاية والإشاعات والضخ الإعلامي بشكل كثيف ضمن إدارة الحرب النفسية واستهداف المعنويات، وتم تحريك الخلايا النائمة في حلب والتي ساهمت في ذلك، كما يلاحظ استخدام التكنولوجية المتقدمة التي تملكها الدول الكبرى الغربية من نظارات ليلية، وطائرات مسيرة وغيرها من اللوجستيات المتقدمة التي ساهمت بتوسع نفوذ التنظيمات الإرهابية بالسرعة التي حصلت بها.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن