صفقة مسمومة!
| حسن م. يوسف
يشير اليهودي يوسيفوس فلافيوس الذي عاش في القرن الميلادي الأول في كتابه «تاريخ يوسفوس» إلى أعمال تمرد إرهابية قام بها اليهود ضد الإمبراطورية الرومانية قبيل انهيار مملكة يهوذا، وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أن طائفة (الزيلوت) اليهودية كونت أول منظمة إرهابية في التاريخ هي منظمة السيكاري Sicari التي كان أعضاؤها يسممون مصادر المياه ويتغلغلون في أوساط الحشود وفي أيديهم خناجر ذات حدّين، يطعنون بها من حولهم.
صحيح أن الإرهاب لم يتوقف يوماً منذ بدء التاريخ، إلا أنه أخذ مؤخراً أبعاداً جديدة، فخلال النصف الأول من القرن الماضي بدأ مشروع الكيان السرطان على شكل مجموعة عصابات اعتمدت مبدأ (الإرهاب المقدّس)، ثم تحولت تلك العصابات الإرهابية إلى جيشٍ اغتصب ما أبقته الاحتلالات من مؤسسات في فلسطين، بنى عليها نواة (كيان) تم تكريسه بإرهاب العصابات والتطهير العرقي.
عقب الحرب العالمية الثانية غابت الشمس عن الإمبراطورية البريطانية وورثت أميركا عنها دورَها وقاعدَتَها الاستيطانية في فلسطين، فعززت دورَ تلك القاعدة كآلة للبطش تَحولُ دون تشكل أية قوة في المنطقة من شأنها أن تهدد ديمومة تسلطها ونهبها لثرواتها.
طوال القرن الماضي أمعنت أميركا في تجاهل اقتراحات دول العالم لعقد مؤتمر دولي يحدد مفهوم (الإرهاب)، لكنها في الوقت نفسه كانت تكرس مفهوماً مطاطياً للإرهاب تطلقه على أي قوة تقف في طريق هيمنتها وسيطرة أدواتها.
بعد نحو شهر من قتل شقيقه في عملية عنتيبي، في 27 حزيران 1976، بدأ بنيامين نتن ياهو وأبوه بالعمل لإنشاء «معهد جوناثان لأبحاث الإرهاب الدولي» في واشنطن، وقد أطلقا على المعهد اسم قريبهما القتيل رغبة في تخليده. نظم المعهد فعاليات مختلفة أهمها مؤتمر واشنطن، عام 1984، وقد قام النتن ياهو بجمع وتحرير المحاضرات التي ألقيت في ذلك المؤتمر وأصدرها في كتاب بعنوان «الإرهاب: كيف يمكن أن ينتصر الغرب؟» كرَّس فيه صورة الإسلام كعدو همجي إرهابي يهدد حضارة الغرب، في الوقت نفسه الذي كان فيه الكيان السرطان يمارس إرهابه (المقدس) في بيروت وكل مكان كما جاء في كتاب الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي رونين بيرغمان، الذي يحمل عنوان: «انهض واقتل أولاً: التاريخ السري لاغتيالات إسرائيل المُوجّهة».
بعد انتعاش العرب عقب حرب تشرين، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1975 القرار رقم 3379، الذي ينص على «أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري». لكن هذا القرار ألغي في 16 كانون الثاني عام 1991م عقب مشاركة الكيان في مؤتمر مدريد لـ(السلام). ومع تفاقم عمليات اختراق الجسد العربي أمعنت بعض وسائل الإعلام الناطقة بالعربية في تبني السردية الإمبريالية الصهيونية. وقد بلغت الموجة المرتدة ذروتها عندما صادق الكونغرس الأميركي في السادس من كانون الأول 2023، على مشروع قرار ينص في أحد بنوده على «المساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية!»
لا شك أن المال كما قال أحدهم «هو نقطة التقاطع بين لغة الشياطين ولغة الملائكة» لكنني لا أجد في المال وحده مسوغاً كافياً للتحالفات المسمومة التي تعبث باستقرار منطقتنا وتضع مستقبل أبنائنا على كف أسوأ العفاريت.
في الختام أود أن أقول لأخي السوري، اعلم يا أخي أن عدو جدك لا يودك، وأنه لن يفيدك سوى عقلك إن جن رَبْعَك. فإذا كانت الدولة السورية قد أخطأت، فهذا لا يعني أن أعداءها على صواب.
أيها السوريون، ضعوا أيديكم على قلوبكم وأَعمِلوا عقولكم بأقصى طاقتكم كي لا تصبوا مياهكم في طواحين أعدائكم، أيها السوريون، على اختلاف مشاربكم ونزاعاتكم، إياكم ثم إياكم أن تبيعوا ظلاماتكم لأعدائكم! فهذه صفقة مسمومة لن ينتج عنها سوى بوار أرضكم ودمار دياركم.