الرحيبة.. تشتهر بحجرها وتماسك مجتمعها
| مصعب أيوب
تتربع مدينة الرحيبة في شمال شرق محافظة ريف دمشق وتتبع إدارياً لمنطقة القطيفة وهي مدينة ذات تاريخ طويل وعريق وقد أقام فيها الرومانيون وتضم صخورها نقوشاً مهمة تشير إلى ذلك، وفي الجبل الشرقي التابع لها تقع عين الراهب وهو ما يعد دليلاً دامغاً على قدم المدينة، وللوقوف أكثر على خصوصية المدينة وحياة الناس فيها وبعض تراثها وتقاليدها وصناعاتها وزراعتها وطقوس أفراحها وما إلى ذلك، نستعرض كتاب.
الحجر الرحيباني
تشتهر المدينة بصناعة واستخراج الحجر الرحيباني التي استعاضت بها عن مهنة الزراعة بعد صعوبة تأمين مياه الري وجفاف بعض القنوات وإحجام الناس عنها إلا على نطاق ضيق، وعليه فتصدرت المدينة استخراج وصناعة الحجر الذي يعد من أهم وأبرز أنواع الحجارة في سورية وأثمنها وتتركز مقالعه في جبال الرحيبة الوعرة، وعلى الرغم من صعوبة اقتلاع تلك الأحجار ووعورة الجبال إلا أن الإرادة القوية والبحث عن سبل العيش جعل الناس تحفر في الصخور والحجارة وباستخدام معدات بسيطة في بادئ الأمر من أجل ذلك، وبمرور الوقت أتيح لهم استخدام معدات متطورة وآليات حديثة مما أسهم في زيادة الإنتاج وتوفير الوقت والجهد، وللحجر الرحيباني رحلة طويلة من المقلع إلى المنازل حيث يتم استخدامه في إكساء واجهات ومداخل المنازل الديكورات الداخلية والخارجية، إضافة إلى انتشار صناعة تكرير الزيوت المعدنية، والمنظفات، ومهنة الحدادة والنجارة علاوة على تجارة الصقور التي سنأتي عليها لاحقاً.
محبون للتعليم
كما أن المدينة تمتلك قطيعاً مهماً من الأغنام والماعز وفر لأصحابه مهناً كثيرة والتعليف ويباع قسم كبير من الإنتاج في مدينة دمشق، ويعمل البعض في تربية الأبقار والدواجن لتزويد المدينة بالبيض واللحوم والحليب والفروج.
وحسب المؤلف يعشق أهل الرحيبة التعليم ويدخل عدد كبير من أبنائها في كل عام جامعات سورية الحكومية والخاصة بمختلف الفروع الجامعية.
ويشير الكاتب إلى أن ما دفعه لتأليف هذا الكتاب هو عدم وجود أي مرجع تراثي يعرف الأجيال بتاريخ هذه المدينة في الوقت الذي يعد فيه هذا التراث معرضاً للاندثار والنسيان والضياع.
وقد استعان المؤلف في توثيقه بعدد من الأشخاص الذين كانوا شهوداً على تراث وتاريخ المدينة وعاصروا مراحل تطوراتها، واعتمد في كتابه على شهادة عدد من الشهود من فئات عمرية مختلفة، وكان أكبرهم الحاج أبو كرمو صاحب المعلومات الغزيرة عن مجتمع الرحيبة واكتسب معظم معلوماته من مجالسة الأجداد.
صيد وتجارة الصقور
يتطرق المؤلف في حديثه إلى مهنة صيد الصقور وتجارتها في الرحيبة إذ تعد من المهن التراثية للبلدة وهي مستمرة حتى اليوم وقد كانت من المهن الشائعة في الثلث الأول من القرن المنصرم لتكون الرحيبة متفردة في هذا المجال، وقد أطلق عليها عاصمة الصقور في الشرق الأوسط، ومن أهم العائلات التي امتهنت هذه الصنعة كانت آل الشيخ وآل الروح وآل توتي وآل وزة، ولا تعود الفائدة من هذه المهنة فقط على من يصطاد ويتاجر بالصقور وإنما من يعمل في هذا الميدان ومستلزماته، ويستخدم في صيد الصقور في الرحيبة ما يسمى الفخ وهذا الفخ يعرف بالكوخ وتنشط هذه الحركة في شهر أيلول، ولابد هنا من الحصول على غراب لإيقاع الصقر في الفخ، كما يعرف من طرق الصيد الحمامة، وهذه المهنة لها أعراق وتقاليد لا بد من التقيد بها، فمن أنشأ كوخاً في مكان ما يصبح ملكاً له ولا يحق لغيره استخدامه، والكوخ عبارة عن حفرة تبلغ أبعادها نحو واحد متر ونصف المتر مسقوفة بالحجارة ويختبئ الصياد داخله لكي لا يراه الصقر.
مجتمع متماسك
في الخلاصة نجد أن الجانب التراثي للمدينة اشتمل على كل جوانب الحياة، ففي الوقت الذي كانت فيه العائلة تعيش في بيت طيني كانت تكتسب رزقها من ممارسة مهنة الزراعة، كما أشار الكاتب إلى أن المجتمع الرحيباني متماسك وقد حكم المجتمع بمجموعة من الأفراد العقلاء وأصحاب الشأن والمسمين بالجاهة الذين يؤخذ برأيهم في الشؤون المهمة والكبيرة ويتقدمون في الأفراح والأحزان مبيناً من يكون هؤلاء وما أسباب ظهورهم ومم تتألف الجاهة وما تقاليدها وما الجهود التي تقوم بها وما إلى ذلك، وقد تطرق الباحث إلى معاصر الدبس التي كانت تشارك فيها النساء وإنتاج الصوف وبعض الصناعات المنزلية التي تمثلت بصناعة اللحوف والوسائد والجلود وسطاح العنب ودرس الزبيب، إضافة إلى التداوي بالأعشاب ومعالجة الكسور والجروح والعلاج الروحاني، كما استعرض الكاتب مراحل الخطبة والزواج وطقوسهما، وبعض الأغاني الشعبية وأصنافها والتي منها الدلعونا وأغاني الحناء والحصاد والعتابا والزغاريد، وكذلك تقاليد المجالس واستقبال الضيوف وتقاليد الطبخ.
المؤلف في سطور
د. حسان عبد الحق: مواليد 1976 أستاذ جامعي في قسم التاريخ بجامعة دمشق، لديه العديد من الأبحاث العلمية المنشورة، كما حرر بعض المداخل في الموسوعة العربية، ومن مؤلفاته العمارة الملكية في بلاد الرافدين من عصر سلالة أور الثالثة إلى نهاية العصر البابلي القديم، وآثار الوطن العربي القديم، ورحلة إلى ماري.