قضايا وآراء

الحوار صار متوازياً مع النار

| بيروت – رفعت البدوي 

كثرت في الآونة الأخيرة المواقف والتصريحات المتباينة حول إمكانية تدخل قوات سعوديه تركية مع ما يسمى التحالف الإسلامي في الحرب الدائرة على الأرض السورية والحجة هي محاربة الإرهاب.
الإعلان عن مثل هذا الأمر وترجمته على أرض الواقع ليس بالأمر السهل ونتائجه ليست مضمونه وعواقب إخفاقه فيما لو تم التدخل ستكون بالطبع وخيمة على الصعيدين الداخلي لكل من تركيا والسعودية وبالطبع على الصعيد الإقليمي ما يترك آثاراً سلبيه في العلاقات الدولية وخاصة أن دوله كبرى مثل روسيا هي المعنية بموضوع التدخل المحتمل بعيداً عن كل الانفعالات والمواقف المندفعة لنأخذ الموضوع من جوانب عده أهمها.. الأسباب.. القانون الدولي.. الاحتمالات والنتائج..
في الأسباب نرى أن الأزمة السورية دخلت عامها الخامس وسفك فيها الكثير من الدماء ومورس خلالها الدمار والتهجير ولم يتحرك أي من تركيا ولا السعودية لنجدة الشعب السوري بل حصل العكس تماما فكانت السعودية وتركيا وقطر في مقدمة البلدان التي قدمت شتى أنواع الدعم العسكري والمالي والسياسي لما وصف بالإرهابيين في سورية فلماذا بعد مرور خمس سنوات جاءت الصحوة السعودية التركية القطرية؟
لنصل إلى السبب الرئيسي وهو انقلاب المشهد الميداني بمساندة الغطاء الجوي الروسي والدعم الواضح من المقاومة اللبنانية وبعض المستشارين الإيرانيين ما أسهم بالتقدم الواضح للجيش العربي السوري واستعاده المساحات الواسعة من المدن والجغرافيا وإعادتها لحضن الدولة السورية ما أخلّ في الميزان الميداني لمصلحة الجيش السوري ومحور المقاومة، إضافة إلى خسارة الحلم الذي راود أردوغان بإقامة المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية وخروج كل من تركيا والسعودية وقطر من اللعبة بخسارة مدوية وفقدان أي من الأوراق المؤثرة.
أما في القرارات الدولية وإذا ما أردنا الدخول في قرارات الأمم المتحدة فإننا سنجد القرار رقم 2231 الذي حرم تدخل دوله بشؤون دوله أخرى وتحت أي ذريعة كانت، ، لكن في الوقت عينه فإن محاربة الإرهاب أباحت للدول التدخل بحجة منع انتشار الإرهاب وإخماده في مكانه في أي دولة، وجود هذا الأمر استعمل للتلطي والتخفي خلفه لذلك ما تم الإعلان عنه عن النية التركية السعودية القطرية الإماراتية البحرينية للتدخل يأتي تحت عنوان محاربة الإرهاب لكن في حقيقة الأمر فإن التدخل المنوي تنفيذه سيكون محاوله يائسة لوقف تقدم محور المقاومة في الميدان العسكري وإنقاذ ما يمكن إنقاذه والسعي للحصول على وقف لإطلاق النار ليصبح التفاوض بعيداً عن تأثير المدافع أو بواسطة النار..

ماذا عن الاحتمالات؟
أما الاحتمالات فتبدو ضعيفة ومتعثرة جداً للقيام بمثل هذا التدخل حتى الآن لأنه ورغم جنيف 3 ومؤتمر دولي في ميونخ أيضاً.. وحتى إمكانية استئناف المحادثات في 25 من الشهر الحالي في جنيف يعتبر غير كاف لأنه حتى اللحظة لم يتم تحديد المنظمات الإرهابية التي يراد محاربتها وهناك اختلاف كبير بين روسيا وأميركا وبين مختلف الفرقاء لجهة تسمية التنظيمات الإرهابية وهذا الأمر كفيل بنسف كل جولات التفاوض.
زيارة ملك البحرين إلى روسيا وصلت مفاعيلها وأصداؤها إلى المملكة العربية السعودية التي قررت تحديد موعد زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو في الشهر القادم.
الحوار صار متوازيا مع النار
أردوغان يقول لا يمكن حل الأزمة السورية دون منطقة حظر للطيران ومناطق آمنة داخل سورية وأردف قائلاً نحن صبرنا ما فيه الكفاية على ما يجري في سورية ولكن صبرنا نفد وسنقوم بما يلزم لوقف هذا النزف.
التهديدات التركية السعودية قابلها رد روسي قاس على لسان رئيس وزراء روسيا مدفيديف حيث قال إن أي تدخل تركي عسكري في سورية سيشعل حرباً عالمية.
فيتالي تشوركين مندوب روسيا للأمم المتحدة قال إن أي تدخل عسكري في سورية سيعتبر بمنزلة اعتداء على السيادة السورية وإذا أردتم محاربة الإرهاب فعليكم الحصول على قرار واضح من الأمم المتحدة وعليكم القبول بالخطة الروسية..
عندما يتزامن تصريح الأمم المتحدة الذي يشير إلى وجود 120 ألفاً مهددين بالجوع مترافقاً مع نبره عاليه في خطاب أردوغان إضافة إلى سماع صوت الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الذي أفاق من غيبوبة طويلة داعياً المجتمع الدولي لاتخاذ قرار ملزم بضرورة وقف الحرب في سورية متناغما مع صراخ آشتون كارتر الذي هدد وأيد عمليه أطلسية في بحر إيجه لوقف تدفق المهاجرين، ، متهما روسيا بتأجيج الصراع في سورية. وصولا إلى صراخ الرئيس الفرنسي الذي قال يجب على روسيا وقف قصف المدنيين وعلى الأسد الرحيل فهذا يعني أن سيناريو ليبيا لن يتكرر والكل بات يشعر بالخسارة.
كل هذا الصراخ قابله تصريح من قبل الكريملين مفاده:
إن هناك اتفاقاً مع أميركا بضرورة إيجاد حل للأزمة السورية وإن روسيا قدمت مشروعا للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في سورية ولم نزل ننتظر الرد من واشنطن على الصيغة المقترحة.
هذا الأمر يقودنا إلى استنتاج أن لا صراخ يفيد ولا صراخ الأمم المتحدة ولا صراخ نبيل العربي ولا فرنسا ولا حلف الناتو يفيد.
ما اتفق عليه بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة التي جمعتهما في موسكو في العام المنصرم جار تنفيذه بدقة متناهية ولا رجوع عنه قبل بلوغ الهدف وتحقيق المبتغى مهما بلغت الضغوط والتضحيات ومهما علا الصراخ.
باختصار.. لا منطقه عازله ممكنه ولا تدخل عسكرياً مباشراً ممكناً لا بل من غير المسموح به تحت طائلة المسؤولية، الخاسر الأكبر رجب أردوغان والسياسة السعودية المتبعة منذ أكثر من خمس سنوات متتالية، الكل بات يدرك أنه أصبح خارج اللعبة وخسر الأوراق التي كانت بحوزته وأن أوراق اللعبة تجمعت في موسكو ودمشق وأن مجال المناورة صار ضيقاً والكلمة الفصل للرئيسين الأسد وبوتين ولن يقبلا إلا بتنفيذ المرسوم ووضع الجميع أما الواقع الجديد..
الأيام القادمة ستشهد تطورات توصف بالتاريخية.. آخر شهر نيسان المقبل المهلة الزمنية التي أطلقها وزير الخارجية السعودية عادل الجبير لإتمام التحالف المنوي تدخله في سورية ربما بلوغ نهاية شهر نيسان سيكون وقتا كافيا لاسترداد باقي المناطق مثل حلب وريفها وإدلب بالكامل والإطباق على منافذ الحدود مع تركيا وعندها يصبح أمر التدخل التركي السعودي القطري من الماضي بل أمراً مستحيلاً.
هل انتبهتم إلى تصريح المسؤول العسكري الروسي الرفيع في وزارة الدفاع الروسية عندما قال إن الكلام عن استحالة الحل العسكري في سورية، الآن صار أمراً واقعياً وممكناً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن