الأولى

هل الانتصار ممنوع؟

| بيروت – محمد عبيد

تجهد الولايات المتحدة الأميركية وذراعاها الإقليميتان تركيا والسعودية لوقف الزحف السوري بمؤازرة حلفائه لعزل الحدود التركية – السورية واستعادة سيادة الدولة على كامل ترابها المحتل بالوساطة من هاتين الذراعين بأدوات إرهابية تكفيرية.
فالإدارة الأميركية التي وجدت أن موسكو تتحرك في ملعب واشنطن التقليدي في المنطقة كانت تحاول استدراك ما فاتها نتيجة انكفائها الطوعي والموضوعي عن مواكبة التحولات التي طالت بعض الأنظمة الحليفة أو تلك المواجِهة والمقاوِمة للمشاريع الأميركية كسورية، عبر السعي إلى صياغة مقاربة مشتركة مع روسيا تنهي الأزمة في سورية لحفظ ما تبقى من نفوذها في الجوار السوري وخصوصاً منه العراق. وهي كذلك كانت تميل إلى منع الرئيس التركي من جر الحلف الأطلسي إلى مواجهة سياسية-عسكرية لن تقف عند حدود الإقليم مع ما يعنيه ذلك من سقوط لتفاهمات دولية بين القطبين حول تنظيم الخلافات بينهما على قاعدة حصر الصراعات بدل تمددها وانتشارها.
وقد مثلت أوروبا أبرز موقع اختبار لحرص القطبين على اعتماد مفهوم هذا الحصر وخصوصاً بعد أن صارت هدفاً معتمداً للإرهاب الدولي الوافد إليها عبر البوابة التركية، وذلك انطلاقاً مما تمثله جغرافياً واقتصادياً لروسيا واستراتيجياً كحليف ومنصة متقدمة للولايات المتحدة الأميركية.
لذا لم تنزعج واشنطن من مشاركة روسيا الدولة السورية في حربها على الإرهاب إلى حد استنفار قواتها العسكرية أو تحريك أساطيلها أو حتى الطلب إلى حلفائها الدوليين وأذرعها الإقليمية الاستعداد لعرض العضلات على الأقل، وكذلك فعل هؤلاء الحلفاء واتجهوا جميعاً نحو القبول بحل سياسي يُسلِم بواقع ثبات الرئيس والدولة والجيش في سورية، غير أن الأمر لم يرق للذراعين المتبقيتين-السعودية وتركيا- اللتين استقدمتا ودربتا وجهزتا الإرهابيين وصرفتا أموالاً طائلة عليهم بهدف إسقاط النظام والتفاوض عليه لا معه، وهو الهدف الذي كان ومازال تحقيقه مستحيلاً قبل وبعد التحولات الميدانية الأخيرة. هذه التحولات التي تقترب من إزالة «الدفرسوار» الذي استباح الشمال السوري والذي شكل لفترة طويلة منصة عسكرية ضاغطة على الداخل بهدف رسم خريطة جغرافية وسياسية وديمغرافية مختلفة لسورية. والأهم أن تداعيات هذه التحولات، والتي بدأت تتفاعل من خلال الاعتداءات التركية على بعض المناطق السورية والاندفاعة الجنونية السعودية عبر نقل جنود أو مرتزقة إلى قاعدة «أنجريليك» المعروفة، ستشكل اختباراً حقيقياً وربما محرجاً للموقف الأميركي الذي لن يُقنِع أحداً وخصوصاً القطب الروسي إذا ما بقي في حدود دعوة الجميع إلى ضبط النفس.
يسعى النظام السعودي إلى توسيع دائرة تورطاته علّه بذلك يحفظ لنفسه موقعاً متقدماً يوازن به ما يسميه النفوذ الإيراني في المنطقة أو يحد من تمدده، وتسعى أنقرة إلى لفت أنظار المجتمع الدولي وحلفائها إلى ضرورة مساندتها عبر توفير حدود اطمئنان لها في الداخل السوري، انطلاقاً من تقديم نفسها صمام أمان لأوروبا ومن خلالها العالم، الذي يسد الممرات أمام الإرهابيين المتحفزين للغزو، وتتمنى واشنطن إزاحة الرئيس الأسد ودفع إيران إلى التفاوض معها حول قضايا إقليمية حيوية بالنسبة لها واستنزاف موسكو عبر جَرِها إلى التورط في الحرب براً، وفي المقابل يرفع الرئيس الأسد سقف التحدي العسكري من خلال تأكيد الفصل بين محاربة الإرهاب التكفيري بعناوينه المعلنة والمستترة وبين مواكبة الحوار السوري-السوري من موقع مظلة الدولة، وتتجاهل إيران الرغبات والتلميحات الأميركية بإعادة تثبيت القيم السياسية التي قامت عليها ثورة الشعب الإيراني المناهضة لنفوذ واشنطن ومشاريعها في المنطقة، ونجحت موسكو في مباغتة الخصوم كافة عبر نقل خطوط التماس مع الحلف الأطلسي من الحدود الأوكرانية إلى الحدود التركية مع ما يعني ذلك من اتساع لمساحة حركتها واستقطابها الدوليين ومما يثبتها شريكاً من موقع الند الفاعل.
لاشك أن التوازنات في السياسة وفي الميدان تميل لمصلحة المحور السوري-الإيراني-الروسي وحلفائهم على الرغم من التهويل التركي-السعودي المصطنع الذي تغطيه واشنطن بهدف الضغط لمنع استثمار الانتصارات الجوية الروسية على الأرض، ولكن هل بإمكان الولايات المتحدة الأميركية وقف استكمال هذه الانتصارات من دون أن تتورط عسكرياً ومباشرة وليس بالواسطة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن