ثقافة وفن

عاندوا المعاناة وتحدوا الصعاب وانطلقوا في ميدان الفن والثقافة … قدرة الجيش العربي السوري المتجددة على البذل والعطاء … بشر يازجي: ننحني أمام جراحكم ولن ننسى ما قدمتم

| وائل العدس – تصوير طارق السعدوني

مقاومون افتدوا الوطن بأجزاء من جسدهم، هم شهداء ما زالوا أحياء يعيشون بيننا ويقاومون بجراحهم، بذلوا الغالي والنفيس لنحيا بكرامة، لكن القدر شاء أن يصطفيهم ليكملوا مسيرة المقاومة رغماً عن الجراح، ولكن على جبهات أخرى.
عاندوا المعاناة وتحدوا المصاعب وانطلقوا في ميدان الفن والثقافة كل حسب قدراته، فلا إعاقة صمدت في وجه مشروعهم ولا مرضاً، هم أناس آلوا على أنفسهم أن يقاوموا حتى الرمق الأخير، باختصار إنهم جرحى الجيش العربي السوري.
أمس، افتتحت جمعية «صامدون رغم الجراح» التي تعنى بالجرحى وذويهم من مدنيين وعسكريين معرضها الفني في قاعة المتنبي بفندق الداما روز بدمشق، ويستمر حتى يوم غد بالشراكة مع جمعية «ساعد».
وضم المعرض نحو 200 قطعة من الأشغال اليدوية والتحف الفنية واللوحات الزيتية قام الجرحى من أعضاء الفريق باشتغالها من مواد الخشب والفخار والسيراميك، في تحد جديد لكل من يراهن على بأس الجندي العربي السوري وقدرته المتجددة على البذل والعطاء.
ويهدف المعرض إلى تسليط الضوء على الجندي الجريح والتضحيات التي قدمها ما يشكل حافزاً لبقية جرحى الجيش العربي السوري لمواصلة درب التضحية والعطاء رغم الإصابة التي لا تشكل عائقاً أمام متابعة النشاط الفكري والجسدي والمساهمة في تطوير المجتمع.
ولد هذا الفريق من رحم المعاناة والألم ليثبت للعالم أن أبطال الجيش العربي السوري لا يقهرون وأنهم على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وهذا المعرض هو خير دليل على ذلك، ومن خلال هذا المعرض يثبت هؤلاء الأبطال مرة ثانية قوة عزيمتهم التي لا تلين ولا تقهر وإصرارهم وحبهم للحياة.
وخلال الافتتاح كرمت الجمعية كلاً من: وزير السياحة، وائل بدين نائب وزير الشؤون الاجتماعية، معن عبود رئيس اتحاد شبيبة الثورة، إضافة إلى الفنانين دريد لحام، ونجدة أنزور، وتوفيق إسكندر، وزهير عبد الكريم، وعارف الطويل.

بلسم ومنارة
في كلمة له خلال حفل الافتتاح قال وزير السياحة المهندس بشر يازجي إن أجساد الجرحى والمصابين في معركة الدفاع عن الوطن تحمل أيقونات ساهمت في كتابة التاريخ، فكل جرح هو بلسم لجراح سورية والمنارة لنصرها، مضيفاً إن هؤلاء الأبطال رافقتهم الكرامة دوماً عندما كانوا في المعركة واليوم نجدهم متفانين ومبدعين ومتمسكين بالعطاء الذي يليق بسورية.
وقال إن مقاومة وصمود الشعب السوري هو قدر مكتوب، والسبب بلا شك أن من يحمي سورية ويصون ترابها هم رجال حقيقيون لا يعرفون المستحيل.
وأكد أن الوزارة تفتح أبوابها للمشاركة في أي مبادرة تخص الجرحى بهدف تدريبهم وتنمية مهاراتهم وتعزيز قدراتهم كعربون لتضحياتهم، كاشفاً عن العمل على إطلاق مبادرة تحت عنوان «جراحكم شفاء للوطن» نهاية آذار القادم بالتعاون مع بعض الجمعيات المعنية بجرحى الجيش والمنشآت السياحية حيث تقدم الوزارة برنامجاً سياحياً مخصصاً لهؤلاء الجرحى وتشمل نحو 1500 جريح.
ووجه يازجي شكره للجرحى وقال لهم: ما قدمتموه استثنائياً بالعطاء واستمرارية العطاء، لأنكم كنتم هؤلاء الرجال الأبطال في الميدان ومازلتم مصرين على متابعة الدرب وحمل الراية، ولن ننسى ما قدمتم لأننا ندرك نبل الرسالة وسمو الهدف، وسنمضي على الطريق الذي مهدتم له، وإننا شركاء في تلك الرسالة وهذا يقتضي شراكة حقيقية في العمل، وختم: أنتم شركاء في جميع المبادرات التي سنطلقها في الفترة القادمة.. شكراً لأنكم هنا الآن، ننحني دوماً أمام جراحكم ونؤكد أنكم كنتم مشاريع شهادة واليوم أنتم مثال للتفاني بالعمل.

طريقة عفوية
الجريح العسكري عبد الكريم محمد أكد أن المبادرة تخص كل من أصيب عى أرض الوطن بسبب الأعمال الإرهابية من مدنيين وعسكريين.
وقال: كنا مجموعة من الجرحى لم نعد قادرين على القتال في أرض المعركة، ففكرنا في مساعدة إخوتنا الجرحى فانطلقنا بطريفة عفوية من خلال أعمال تزودنا بمردود مادي، فاتجهنا نحو الأشغال اليدوية، وأصبحنا نصنع القطع ونمنحها لمن يحب مقابل دواء مثلاً، ونحن راضون عما قدمناه.

صوت الجريح
بدوره الجريح العسكري ميسم الجردي بين أنه لم يتردد في المشاركة عندما طرحت الفكرة، قائلاً: نحن جرحى لكننا نريد العيش ولا نريد أن نتوقف عن العمل، لذلك ارتأينا أن نكون صوت الجريح، وصحيح أننا توقفنا عن حمل السلاح مجبرين بسبب الإصابة لكننا نقاوم على جبهات أخرى، فالإنسان يستطيع أن يحارب حتى بلسانه.

لا للاستسلام
الجريح العسكري حسن عبدان أكد أن كل أعضاء الفريق تعاونوا بشكل جماعي على إنجاز القطع بعيداً عن العمل الفردي بكل قوة وإرادة.
وقال: نحاول من خلال المعرض إيصال رسالتنا إلى الداخل والخارج بأننا شعب لا يتوقف ولا يستسلم مهما ألمّ به من إصابات، وسنستمر من دون أن يؤثر في عزيمتنا شيء لتبقى البسمة موجود على الشفاه.

سورية بخير
الجريحة المدنية روان يوسف أشارت إلى أنها تركت دراسة الطب البشري واتجهت نحو دراسة الأدب الفارسي بعد إصابتها وفقدان بصرها، وقالت: أشعر بالفخر بمشاركتي بهذا الحفل، ومادام جرحانا مازالوا أقوياء وقادرين على الإنتاج فسورية بألف خير وستعود أقوى مما كانت.

حرب وسلام
وقال العقيد ياسر الشاويش رئيس الجمعية: زرعنا أعضاءنا من أجل تراب سورية المقدس لينهض ياسمين النصر.
من جانبه بيّن عصام حبال رئيس مجلس إدارة جمعية «ساعد» التي ساهمت بتنظيم المعرض أن المعرض يتضمن زاويتين للحرب والسلام أنجز بهمة شباب أثبتوا أن مصاب الحرب يحاول بث الأمل رغم جراحه، مشيراً إلى أن فكرة جمعية صامدون دعم المصابين من مردود أعمال المتطوعين.

ألف تكريم
وقال دريد لحام إن هذا التكريم يعني لي الكثير، فعادة ما أكون فرحاً عند تكريمي، لكني اليوم أشعر بالخجل، لأننا نحن من يجب أن نكرمهم وليس العكس، لذا هذا التكريم بألف تكريم باعتباره صادر عن هؤلاء الصامدين رغم الجراح، ونحن إن كنا صامدين فبسبب تضحياتهم.

مقام الشهداء
أما توفيق إسكندر فقال: شُرفت اليوم بهذا التكريم، وأتمنى بكل صدق أن أبقى خادم بين أيديهم، هؤلاء الشهداء الأحياء الذين افتدوا الوطن الذي مازلنا نعيش فيه، لهم كل الحب والتقدير والاحترام، مقام هؤلاء مقام الشهداء، وتعجز الكلمات عن وصفهم، وما تزال رقبتي فداء لهذا الوطن.
وأضاف: الفنان إنسان لكنه ذو حساسية خاصة ومكانة بين الناس، ويجب عليه احترام قيمته التي صُبغت عليه، ويحافظ عليها بوجوده الإنساني على أقل تقدير.

الدفاع عن الوطن
بدوره أكد زهير عبد الكريم أنه تعرف على أعضاء الجمعية قبل انطلاق المعرض بزمن لا بأس به هو وزميله عارف الطويل، مبيناً أنه أحب الفكرة أن يخلق الشهداء الأحياء هذا المعرض وألا يحتاجوا أحداً وهم صامدون رغم الإصابات والعوائق الكبيرة، فهم توقفوا عن حمل البندقية ليدافعوا عن الوطن بالقلم والكلمة والرسم والثقافة.

استمرار
الجدير ذكره أن أول انطلاقة لفريق «صامدون رغم الجراح» كانت في شهر آب من العام الماضي وقد تم ترخيصه حالياً كجمعية تهتم بالجريح وأسرته.
والفريق مستمر بالعديد من النشاطات التي تهدف إلى ترسيخ مساهمة الجندي الجريح في المجتمع من جهة وتساهم في دعمه ومد يد العون له لتخطي المرحلة الصعبة التي يمر بها من جهة ثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن