مواجهة البقاء…
| مازن بلال
في «جنيف» جرت المحاولة لتحديد مسارات «وقف الأعمال العدائية»، ففي وقت تبدو واشنطن متمسكة بتثبيت واقع على الأرض فإن الأزمة الناشئة بين موسكو وأنقرة تقلب الأوراق، وربما لا تدع هامشاً واسعاً لإيجاد علاقات مختلفة، أما في دمشق فحديث السياسة مختلف لأن مواجهة البقاء تبدو أقوى من الحدث، فالحرب تسير على خط ضيق وتستهلك يوميات المجتمع، فالرهانات سواء كانت في جنيف أم ميونيخ أم حتى في الرياض، لا تتعلق فقط بالتسوية، بل أيضاً بالمشهد الداخلي للمواطن السوري حيث تبدو إطالة الأزمة أكثر من انتظار لمتحول سياسي، فالضغط باتجاه المسار الاقتصادي الضيق يبدو جزءاً أساسياً من التعامل مع الأزمة.
عملياً فإن الخيارات الإقليمية تبدو محدودة، فأنقرة لا تملك الكثير تجاه ما يجري، وعدم رغبة «ناتو» في دعم الموقف التركي في مواجهة روسيا يدفع تركيا نحو بديل وحيد؛ فإطالة أمد الأزمة يسير وفق سياق وحيد نحو تكسير الممكنات أمام الحلول المطروحة، وتبدو العلاقات الإقليمية تتجه نحو مسارين:
– الأول تثبيت الواقع العسكري، ورغبة واشنطن بهذا الأمر هو تجميد للأزمة بجانبها العسكري، في وقت تبدو إستراتيجيتها نحو إزاحة الدور الروسي باتجاه أكثر تعقيداً، فأي مواجهة تركية – روسية تبدو محسومة عسكرياً، لكنها ستطرح متغيرات سياسية واقتصادية، فمثل هذا الخيار سيزيد من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها سورية، وسيجعل روسيا أمام استحقاق اقتصادي وسط عقوبات وانهيارات في سوق الطاقة.
ربما لا تدفع واشنطن الأمور إلى ذروتها، لكنها تترك حلفاءها الإقليميين ضمن احتمالات مواجهة محتملة، وهو ما سيدفع نحو تغيرات كاملة على مستوى العلاقات الإقليمية والمستوى الاقتصادي الذي يدفع الحرب باتجاهات مختلفة، فروسيا التي اعتبرت أن تدخلها جزء من ميزانية تدريب قواتها، ربما تواجه استنزافاً اقتصادياً وليس عسكرياً في استمرار المواجهات وتطورها على الأرض السورية.
– الثاني عزل الخلاف مع تركيا عن إيقاع الأزمة سورية، فعندما ترفض الولايات المتحدة وفرنسا مشروع القرار الروسي بشأن «سيادة سورية»، وهو قرار موجه ضد حكومة أنقرة، فإنها تترك باب التدخل العسكري مفتوحاً نحو حسابات جديدة، فعدم دعم التدخل التركي لا يعني لجم حزب العدالة والتنمية عن اتخاذ قرارات متهورة، بل دفع موسكو لتصعيد خلافاتها مع تركيا وتعقيد المسار التفاوضي.
تدرك موسكو جيداً ضرورة ضمان حدود للدور التركي، فتوازن العلاقات في المنطقة شرط للسير نحو الحل السياسي ومكافحة الإرهاب، وهو ما يجعل من قرارات حكومة أنقرة ورقة ضغط في وجه روسيا التي تريد وضع جدول زمني واضح للموضوع السوري، فالولايات المتحدة رغم سياستها اللينة، حسب حلفائها الإقليميين، لكنها تدرس المدى المقبول لقدرة الدور الروسي على التحرك، فموسكو عبر التدخل القوي تقدم إنموذجاً لتوازن دولي يحتاج بالفعل إلى دبلوماسية إقليمية ودولية مختلفة، وهو ما تحاول واشنطن تأخيره قدر الإمكان.
العامل النهائي في الأزمة السورية، ورغم وجوده ضمن حدود دولية، هو استمرار السوريين كمجتمع بممكنات اقتصادية وسياسية، وهو رهان تدركه الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون جيداً، ويحاولون الضغط باتجاهه عبر فتح جميع الاحتمالات لعرقلة الحلول السياسية، وربما المطلوب هو «كسر الاحتمالات» وصياغة عملية تفاوض سورية مختلفة عما شهدناه سابقا.