الأخبار البارزةشؤون محلية

ماذا بعد قدسية «الطابو»…؟! تجار بيعت عقاراتهم لمماطلتهم عبر مزادات علنية وعادوا يطالبون بأحقيتها طمعاً بفروقات الأسعار

| محمد منار حميجو

استغل العديد من التجار الحالة التي تمر بها البلاد فاستقرضوا مبالغ كبيرة من المال من البنوك ولأنهم يدركون أن قيمة العملة ستنخفض أمام القطع الأجنبي سارعوا إلى تحويل القروض التي حصلوا عليها إلى قطع أجنبي وبالوقت نفسه ماطلوا في سداد القروض لتكديس الأرباح الطائلة على حساب العملة المحلية ومعيشة المواطن.
وظهرت دعاوى في محكمة النقض وخاصة في غرفة مخاصمة القضاة مرفوعة من تجار تتعلق بإعادة النظر بمزادات علنية كان أعلن عنها بقرارات قضائية بناء على طلب بعض البنوك نتيجة تعثرهم أو مماطلتهم في سداد القروض.
واطلعت «الوطن» على تفاصيل إحدى الدعاوى المنظورة في غرفة مخاصمة القضاة ورقمها 147 لعام 2016 في محكمة النقض متعلقة بهذا الموضوع ولدقة وحساسية الموقف فإننا سنلتزم بكل ما جاء في أوراق الدعوى من دون زيادة أو نقصان.
بدأت القصة أن محمد ماهر المهايني وجد نفسه فجأة طرفاً في قضية لمجرد أنه اشترى بيتاً منذ ثلاث سنوات من مالكه السابق بالسجل العقاري بصحيفة عقارية نظيفة بمبلغ قدره 25 مليون ليرة مشيراً إلى أنه استلم سند الملكية خالياً من أي إشارة تشوب البيع وخاصة أنه تم بالسجل العقاري وهذا يعني أنه أصبح ملكاً له بشكل كامل من دون أي منافس.
وقال المواطن مهايني لـ«الوطن» إنه اشترى العقار من رجل اشتراه بالمزاد العلني بعدما تم عرضه للمزاد بعد القرار الصادر من دائرة التنفيذ بناء على طلب بنك بيمو وفق قرار قضائي بعدما ماطل مالكه الأصلي لسنتين في سداد القرض المترتب عليه والمقدر بـ7 ملايين ليرة موضحاً أنه بعدما بيع العقار بالمزاد وسجل بالسجل العقاري لمن رسا عليه اشتريته منه وفق صحيفة عقارية نظيفة وأنه من المعروف أن الدولة لا يمكن أن تبيع أي عقار بالمزاد إلا بعد أن تخليه من أي إشارة وبالتالي فإن الذي اشتراه بالمزاد لا يتحمل مسؤولية أي تبعات بعد ذلك كما أنه يأخذ إحالة قطعية بمعنى آخر لأنه لا علاقة له بالإجراءات التنفيذية قبل جلسة المزاد باعتبار أن المزاد تم وفق القرار القضائي والإجراءات القانونية الصحيحة، متسائلاً إذا كان الشاري الثاني اشترى العقار بالسجل العقاري فأي قدسية للملكية التي صانها الدستور في البداية وقانونا السجل العقاري وأصول المحاكمات؟
وأضاف المهايني: إن المالك الأول رفع دعوى مخاصمة في محكمة النقض لاسترجاع بيته وأقحمني في الدعوى علماً أنني الشاري الثاني أي ليس لي أي أدنى علاقة في الموضوع مشيراً إلى أن غرفة المخاصمة أصدرت قراراً بقبول الدعوى شكلا وهذا ما مس ملكيتي لبيتي الذي لا يملكه أي طرف من أطراف الدعوى.

البنك: إجراءاتنا صحيحة
وجاء في أوراق الدعوى أن المدعي أكد أن إجراءات البنك قبل عرض العقار على المزاد غير صحيحة، الأمر الذي نفاه البنك جملة وتفصيلا مشيراً في مذكرة قدمها محاميه إلى أن الإجراءات تمت وفق القانون وصدر قرار بيع العقار بالمزاد العلني بقرار قضائي بعد مماطلة صاحبه في سداد القروض المترتبة عليه.
وبينت المذكرة أنه لا يوجد أي خطأ في المزاد وخاصة أن هناك لجنة كشفت على أساس العقار مشيرة إلى أنه في حال كان هناك أخطاء فلماذا تهرب من تسديد قرضه وأجر عقاره قبل المزاد بستة أشهر ومدد للمستأجر قبل المزاد أيضاً بعشرة أيام.

قدسية الملكية
ما أثار الجدل في مثل هذه الدعاوى حسب مصادر مختصة هو مسألة قدسية الملكية وهل بالفعل يمكن أن تتراجع الدولة عن بيع المزاد العلني بعد إتمام إجراءاته ودفع الرسوم التي بلغت ثلاثة ملايين ليرة سددت للخزينة ومن يتحمل التعويض للمشترين أو بمعنى آخر ما ذنبهم؟ موضحة أن البيع تم وأن الشاري باع لشخص ثالث إذاً بأي وجه حق يطالب المالك الأول بإبطال البيع بعد بيعه مرات عدة وحسب السجل العقاري؟
وأشارت المصادر إلى أنه في حال صدر القرار القضائي بإبطال المزاد واسترجاع العقار إلى مالكه الأساس من يتحمل الخطأ في حال وقوعه إذا كان وفق القانون وبالإعلان عنه بالجريدة الرسمية ووفق قرار قضائي إضافة إلى كل ذلك فإن الشاري الأول باع العقار وفق قانون السجل العقاري بصحيفة نظيفة.

تجار يحتالون
وبينت المصادر المختصة أن مثل هذه الدعاوى تدل بشكل واضح على مدى استغلال العديد من التجار للظروف الراهنة وذلك بأنهم يقترضون من البنوك سواء العامة أم الخاصة في وقت كان سعر صرف الدولار لم يصل إلى مستويات مرتفعة فما كان منهم إلا أن حولوا هذه القروض إلى دولار للمتاجرة بها فكانت الأرباح فاحشة.
ورأت المصادر أن مثل هؤلاء التجار يجب محاكمتهم لا أن نعينهم على ما يفعلونه وخاصة الذين ماطلوا في سداد القروض ويطالبون حالياً في استرجاع عقاراتهم بحجة أنهم سددوا القروض للبنوك مشيرة إلى أن الكثير من التجار يلجؤون إلى تسديد القروض بطرق ملتوية وليس عبر صندوق المحكمة بعد بيع العقار بالمزاد العلني ليكون هناك ثغرة قانونية لاسترجاع عقاراتهم ولو بعد بيعها بالمزاد العلني.

هل ستنصف؟!
وأصدرت محكمة النقض أخيراً العديد من الاجتهادات القضائية التي من حقها أن تصون قدسية الملكية وذلك بأنه إذا تم البيع بالسجل العقاري مباشرة عن طريق المثول أمامه وتنظيم العقد العقاري فوراً ونقلت الملكية للمشتري فإن أي ادعاء ينصب حول بطلان البيع تحكمه القواعد الناظمة لهذه المسألة وفق قانون السجل العقاري الصادر في عام 1926 مشيراً إلى أنه بمجرد تم نقل الملكية إلى شخص ثالث حسن النية فإن البيع لا يبطل في حال تم بالسجل العقاري ما يعني صون قدسية الملكية.
وبما أن محكمة النقض هي التي أصدرت هذا الاجتهاد فإنه من الطبيعي أن تنظر بعين العدالة لكل من يتضرر في مثل هذه الدعاوى المعروضة أمامها وخاصة أن المحكمة هي أعلى سلطة قضائية فهل ستكون الحكم المنصف في حماية الملكية لمن تملك وفق السجلات العقارية واستلم سند ملكيته خالياً من أي إشارة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن