قضايا وآراء

ملاحظات موضوعية على تهديدات خاوية

| تحسين الحلبي

يبدو أن عدداً من الدول الإقليمية في المنطقة ومن الدول الكبرى أصبح مطالباً بتحديد الاحتمالات المقبلة بالسرعة الممكنة ووضع الحسابات المفترضة لمجابهة تطوراتها في المنطقة وخصوصاً في الحدود الجنوبية لتركيا، فثمة من يؤكد أن روسيا تبعث بما تعتبره رسائل تحذيرية لتركيا والسعودية في المنطقة ولواشنطن على المستوى الدولي، وآخر هذه الرسائل ظهرت حين تقدمت موسكو قبل يومين باقتراح لمجلس الأمن الدولي يدعو حكومة أردوغان إلى الكف عن خرق سيادة الأراضي السورية والتوقف عن إطلاق المدفعية داخل الأراضي السورية، وكان عدم موافقة واشنطن وباريس على قرار كهذا قد رأى فيه البعض رسالة روسية لواشنطن ومبرراً للتحالف الروسي- السوري باتخاذ الإجراءات المناسبة لإيقاف القصف التركي على الأراضي السورية، فهناك من يعتقد أن موسكو كانت تتوقع عدم موافقة واشنطن لكنها رغم ذلك فضلت وضع واشنطن ومجلس الأمن بامتحان من خلال هذا الاقتراح والإعلان عن مسودة في الأمم المتحدة والعالم وكأنها تدعو الأمم المتحدة أن تكون شاهداً على هذا الخرق وبالتالي على ما يمكن أن يتبعه من إجراءات لحماية سيادة الأراضي السورية، كما يشير المحللون إلى أن روسيا بعثت برسالة أخرى لتركيا بشكل خاص وذلك من خلال نشر طائرات روسية حربية في قاعدة روسية في أرمينيا التي تلاصق حدودها الحدود التركية وهذا ما أعلنت عنه وزارة الدفاع الروسية أمس. وبما أن أنقرة لن تحصل على غايتها في فرض منطقة حظر جوي سوري وروسي في الأراضي السورية المتاخمة لحدود تركيا من الأمم المتحدة فلم يعد أمامها سوى خيارين: إما فرض منطقة كهذه بقصف مدفعي تعلن أنه لن يتوقف لكي يتلوه إدخال وحدات عسكرية برية تركية وهذا ما سوف يقلب كل أوراق اللعبة على الحدود الشمالية لسورية، وإما أن تتوصل واشنطن وموسكو لحل يوقف هذا القصف والتلويح بالتدخل العسكري التركي البري ويضمن الطرفان الروسي والأميركي المصالح السورية على الحدود ويبدد مزاعم أنقرة تجاه وحدات حماية الشعب الكردية السورية.
ويبدو أن العالم ينشغل الآن ببؤرة التوتر التي خلقتها أنقرة على حدودها الجنوبية مع سورية والعمل على تجاوز الأخطار التي ستولدها إقليمياً ودولياً.
وفي هذا الإطار يعترف معظم المحللين بأن التطورات الأخيرة التي ولدها الدور الروسي منذ نهاية أيلول الماضي حتى الآن على ساحة الحرب ضد الإرهابيين في سورية والإنجازات التي حققها الجيش السوري على الأرض ألحقت هزيمة واضحة بالمطامح التركية والتوجهات المعادية لسورية والداعمة للمجموعات المسلحة، فقررت حكومة أردوغان الانتقال إلى فصل تصعيدي تجاه سورية بدعم سعودي وغطاء أميركي تحاول إدارة أوباما إخفاء دورها فيه رغم إصرار أردوغان على أن يعلن أوباما تأييده غير المشروط لكل ما يرغب في القيام به ضد سورية في تلك المنطقة..
ويبدو أن أوباما تقلقه شكوك من قدرة الجيش التركي على تحمل مثل هذه المهام بعد تسريب أنباء من تركيا تتحدث عن معارضة عدد من قادة الجيش التركي لخطط التدخل العسكري المباشر والبري داخل الأراضي السورية وتفضيل تجنب أي تصعيد عسكري مع موسكو. وتشير مجلة (اونز- ريفيو) الإلكترونية إلى وجود مخاوف جدية لدى بعض القادة العسكريين الأتراك بعدم توافر الجاهزية المناسبة للجيش في تنفيذ خطط عسكرية برية لا يمكن حصر مضاعفاتها مع روسيا.
لكن الكثيرين يعتقدون أن السعودية تسعى إلى توريط أردوغان بهذا التصعيد لكي تستعين به على سورية مقابل تقديم مساعدات مالية ونفقات عسكرية للجيش التركي.
وكان بعض المحللين قد ذهب بعيداً في توقعات ترى أن بؤرة التوتر التي خلقتها حكومة أردوغان من المحتمل أن تتسبب بحرب نووية بين القوى العظمى!
لكن هذا الاحتمال سيظل بعيداً ما دامت أوروبا بشكل خاص لن تجد مصلحتها لقارتها ولشعوبها من حرب هي التي ستدفع أفدح أخطارها بالمقارنة مع منطقة الشرق الأوسط.
كما أن روسيا والصين ما زالتا تتمتعان بقوة نووية قادرة على تحقيق ردع لكل من يسعى إلى نقل هذا السلاح الإستراتيجي النووي من موقع الردع إلى موقع الاستخدام المباشر.
ويظل أي حدث يناقض هذا الاستنتاج الراهن مجرد صراخ بلا صدى.. لأن الرسائل الروسية والصمود السوري وتحالفات سورية في المنطقة قادرة على لجم أي مغامرة تفكر بها حكومة أردوغان وخصوصاً بعد أن طلب حلف الأطلسي من أردوغان ضبط تصريحاته وخططه!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن