الموقف، الرجل..
| د. اسكندر لوقا
أحياناً يكفيك من الرجل موقف، وخصوصاً عندما يتعلق موقفه بقضية تتعلق بكرامة بلده قبل كرامته. وبهذا الصدد أستحضر تصريحاً لرئيس وزراء كندا جستن ترودو الذي أمر مؤخراً بمنع دخول دونالد ترامب المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية إلى بلاده، وذلك رداً على تصريحات كان أدلى بها منذ فترة تسيء إلى المسلمين والمكسيكيين. وقبل ذلك بشهرين كان ترودو أيضاً قد تعهد بسحب ست طائرات مقاتلة من التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، إلى أن صرح مؤخراً بأن بلاده ستوقف غاراتها الجوية نهائياً ضمن التحالف الدولي ضد التنظيم المشار إليه.
بطبيعة الحال إن موقفاً كهذا لا بد أن يعني الدولة كما يعني الأفراد. وسورية التي تقاتل اليوم في مواجهة قوى التدمير الآتية إليها من مختلف دول العالم بحجة ترجمة شعار «القوى الخلاقة» بدءاً من منطقتنا مروراً قبل ذلك من ليبيا وتونس ومصر وصولاً إلى العراق والبحرين واليمن وحتى شمال إفريقية وبعض الدول الآسيوية، إن سورية هذه تقدر قيمة المواقف الجريئة، وتحديداً حين تكون صادرة عن رجل يؤمن بقيمة الكلمة ومفردات تصريحاته في حالات بعينها. والحالة التي تعيشها الآن منطقتنا، ومن بينها سورية، ليست بالحالة التي يمكن وصفها بأنها ابنة ساعتها. أنها حالة رسمت على نحو ما أشار إليها ويسلي كلارك القائد الأعلى السابق لقوات الناتو ورئيس هيئة الأركان المشتركة، يوم كشف بعد وقت قصير على هجمات الحادي عشر من أيلول عن «خطة أميركية للهجوم على سبع دول شرق أوسطية على مدى خمس سنوات انطلاقاً من العراق ثم سورية ولبنان وليبيا وإيران والصومال والسودان».
هذه الخطة التي لم تتوان دول الاستعمار الحديث والحليفة للولايات المتحدة الأميركية عن تبنيها على أرض الواقع، لم تعد مخفية على أحد يتتبع فصول التآمر على حاضر سورية ومستقبلها، وكذلك على حاضر ومستقبل الدول المجاورة لسورية وما بعدها. وفي هذا الصدد لا بد أن يكون رئيس وزراء كندا جستن ترودو قد استحضر إلى ذاكرته مواقف أميركية من هذا النوع، واستوعب تداعياتها مسبقاً، فأعلن عن موقفه بوقف العمل ضمن التحالف الدولي ومن موقعه الذي يؤهله لأن يكون رجل موقف.
في الثاني من شهر تموز في عام 1987 صرح وزير خارجية قبرص جورج أياكوفو قبيل مغادرته دمشق: «إن المحن علاج في حياة الأفراد كما في حياة الشعوب».
وسورية اليوم تعيش تبعات محنتها الممنهجة التي لا بد أن تصيب شظاياها أصحابها الذين صدّروها إلينا عاجلاً أم آجلاً. ودائماً يبقى شعبنا وأيادي أبنائه على الزناد لصد أعداء الوطن والأمة.