اقتصاد

«التشاركية» في عيون خبراء جمعية العلوم الاقتصادية … سكر: تخفف العبء على الموازنة العامة بعد تدني مواردها .. الحمش: ليست ضرورة ولا خياراً وإنما وسيلة لهيمنة رأس المال

| علي محمود سليمان

تضاربت الآراء والتحليلات بين الاقتصاديين حول قانون التشاركية رقم 5 وذلك خلال الحلقة النقاشية في جمعية العلوم الاقتصادية يوم أمس تحت عنوان «التشاركية ضرورة أم خيار».
وقدم الدكتور نبيل سكر ورقة العمل حول قانون التشاركية معتبراً أن التشاركية موجودة في البلد منذ 30 عاماً من خلال مشاريع نفذت في السابق ضمن قطاعات السياحة والنفط والنقل والمرافئ، ولذلك كان لا بد من تنظيم العلاقة بين القطاع العام والخاص من خلال إيجاد تشريعات تنظم هذه العلاقة، وخاصة أن الحديث الآن يدور عن التشاركية في مشاريع البنى التحتية، والمعروف بأنها مشاريع غير هادفة للربح وإنما لتقديم خدمات، وهي تتطلب رأس مال كبير ومدداً زمنية طويلة للتنفيذ.
واللافت في هذا الأمر هو التصريح الأخير لرئيس مجلس الوزراء عندما تحدث عن التشاركية باعتبارها الجيل الثالث من الاقتصاد السوري، فهل يعتبر هذا التوجه شعاراً جديداً للدولة؟ والسؤال هنا هل سيدخل القطاع الخاص في التشاركية على مشاريع من هذا النوع وهو يعلم أنها لن تحقق له أرباحاً كما في المشاريع التجارية والصناعية؟
وأشار سكر في تقديم ورقة عمله إلى أن السؤال عن كون التشاركية ضرورة أم خيار باعتبارها ضرورة أكثر منها خياراً، حيث كانت ضرورة قبل الأزمة والآن أصبحت ضرورة قصوى في ظل ظروف الأزمة، وبات من المفيد الاستفادة من تطور القطاع الخاص تقنياً وإدارياً، وإذا دخل في مشاريع البنية التحتية فسيساهم في تقديم بنية تحتية جيدة، ما يتيح للدولة أن تركز على متطلبات إعادة الإعمار العقاري والاجتماعي والاقتصادي وهو يحتاج إلى جهد مالي وبشري كبير. كما أن التشاركية ستخفف العبء على الموازنة العامة للدولة بعد تدني موارد الدولة فالخزينة لا تملك الأموال الكافية للقيام بمشاريع البنية التحتية بعد الأزمة.
وأوضح سكر أنه أمام الدولة خيارين، فإما الاقتراض من الخارج وإما التشارك مع القطاع الخاص المحلي، وإلا فلن تكون هذه المشاريع قابلة التنفيذ، وسيكون البديل هو عدم تنفيذ هذه المشاريع وزيادة العجز والمديونية ولذلك لا يمكن اعتبار تشاركية مشاريع البنى التحتية بأنها خطاً أحمر، ومن يرها خطاً أحمر فليقدم البديل من التشاركية مع القطاع الخاص، ولدينا تجربة قريبة في لبنان الذي وصلت ديونه الخارجية إلى 75 مليار دولار وهو عاجز عن تسديدها.
كما أنه لا يمكن اعتبار التشاركية على أنها خصخصة كون أموال القطاع العام في هذه المشاريع ستعود في النهاية إلى الدولة مع نهاية عقد كل مشروع، وإن كانت بعض المشاريع يمكن أن تتحول إلى خصخصة فيجب أن يكون ذلك بشكل مدروس وشفاف بحيث لا تشغل حيزاً من الكتلة النقدية في ميزانية الدولة، وهو أمر بات واقعياً بعد أن دخلنا السوق الاجتماعية وقبلنا بالقطاع الخاص كشريك في عملية التنمية.
كما أنه من الضروري إيجاد آلية قضائية مستقلة تكون قراراتها حاسمة ومستقلة لحل النزاعات في التشاركية، وقضائنا الحالي غير كاف، إضافة إلى أهمية حماية المال العام من دخول الحيتان على الخط، ولذلك يجب تقوية مؤسسات الدولة وتعريفها على طرح العطاءات بشفافية، لمنع حيتان القطاع الخاص من احتكار هذه المشاريع، وإلا يكن القطاع الخاص المحلي واجهة لشريك أجنبي معه. وخلال النقاشات التي دارت حول ورقة العمل أشار الدكتور منير الحمش إلى أن التشاركية ليست ضرورة ولا خياراً وإنما هي وسيلة للتغيير وإحدى حزم التحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي وهيمنة رأس المال، ولذلك يجب التشديد على أن تكون مشاريع البنى التحتية خطاً أحمر ممنوع المساس بها.
معتبراً أن القصد من قانون التشاركية هو استهداف البنية التحتية كونها العنوان الرئيسي للاستقلال الاقتصادي ولأنها بقيت كآخر القطاعات التي لم يدخل القطاع الخاص وهي التي تقدم الخدمات للمواطنين من دون مقابل أو بمقابل بسيط وإذا تحولت إلى التشاركية فستصبح تستوفي من محصلي الخدمات مبالغ كبيرة لتغطية التكاليف وتحقيق الأرباح، وقد أشار أحد أعضاء البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أنهم كان لهم يد في وضع بنود قانون التشاركية في سورية.
مضيفاً: إن الحكومات السابقة وضعت يدها على الخدمات العامة لعلمها أنها تمثل السيادة الاقتصادية ولتقديم الخدمات للشعب بشكل متوازن، حيث إن البنية التحتية متعلقة بالأمن القومي ويجب حمايتها ولدينا مثال في شركات البترول الأجنبية التي كانت تنفذ عقود الخدمة في سورية وعند فرض العقوبات الخارجية استجابت لها وتخلت عن قطاع النفط وتسببت بخسائر كبيرة وعرضت الأمن القومي للخطر وانخفض الإنتاج. وإن الأزمة كشفت عن قطاع خاص جديد غير وطني ومستغل وتاجر بالأزمة على حين كان الجيل القديم من القطاع الخاص هو الوطني والملتزم بهموم ومشاكل الوطن، وكان حاكم مصرف لبنان قد تحدث سابقاً عن 18 مليار دولار دخلت إلى مصارف لبنان من رجال أعمال سوريين غادروا سورية خلال الأزمة وهو رقم أقل من الحقيقة، ولذلك فهناك مخاوف حقيقية من دخول تجار الأزمة ضمن عقود مشاريع التشاركية.
بدوره رأى الدكتور عمار بكداش أن قانون التشاركية سيسمح للمال الأجنبي بالدخول في مشاريع الدولة وهذه مخاطرة كبيرة وقد يكون المال أجنبي بواجهة المال المحلي، مستغرباً أن تطرح الدولة قطاع البنى التحتية للتشاركية مع القطاع الخاص ونحن في ظل أزمة كبيرة، على حين لدينا تجارب دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا الرأسماليتين فعندما خرجوا من الحرب العالمية الثانية قاموا بتأميم سكك الحديد والمصارف والبنى التحتية ومصانع السيارات الكبيرة والطيران من أجل حماية موارد الدولة رغم أنهم ليسوا بدول اشتراكية ونحن سنقوم بالسماح للقطاع الخاص بالدخول في هذه القطاعات المهمة والإستراتيجية.
لافتاً إلى أن قانون التشاركية يعكس نية للخصخصة، وسيفتح الباب واسعاً لنهب المال العام، والحل البديل بتقوية القطاع العام وإعادة دعمه حيث نملك قطاعاً عاماً ناجحاً ومتطوراً بالمقارنة مع القطاع العام في دول الجوار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن