رئيس محطة «السي آي إيه» السابق في اسطنبول: على أردوغان العودة عن سياساته الإقليمية.. والرئيس الأسد لن يسقط
قدم المسؤول الأميركي الاستخباراتي السابق غراهام فوللر جردة حساب قاسية للسياسة الخارجية التي اتبعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال السنوات الماضية وبالذات حيال سورية. ودعا أنقرة إلى الإقرار بفشلها في سورية الذي دمر سياستها الخارجية، وإحداث ما يشبه انقلاباً كاملاً في إستراتيجيتها الإقليمية الحالية، للخروج من «الحفرة العميقة» التي حفرتها لنفسها، ينطلق من حقيقة أن الرئيس بشار الأسد لن يسقط.
وأكد أن سياسة الأتراك في سورية أضرت بالعلاقات مع الدول المهمة بالنسبة لتركيا، وحذرهم من عقد «تحالف خطير ومشبوه ولا مستقبل» له مع السعودية، منبهاً إلى أنها خرجت «خاسرة» من التوتر مع روسيا على خلفية إسقاط المقاتلة الروسية «سو 24» فوق الأجواء السورية في تشرين الثاني الماضي.
وفوللر هو الرئيس السابق لمحطة وكالة المخابرات المركزية «سي. آي. إيه» في اسطنبول، وتدرج في المناصب داخل الوكالة حتى تسلم منصب نائب رئيسها. وهو أحد أهم المنظرين لصعود تيار الإسلام السياسي إلى الحكم في العالم العربي والإسلامي الأوسع، كما نظر لتجربة الإسلام المعتدل في تركيا وروج لها منذ تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة.
وكتب فوللر مقالاً بعنوان: «كيف يمكن لتركيا أن تتغلب على تخبط سياستها الخارجية»، متسائلاً: «ما الخطأ الذي حدث؟ وكيف يمكن لأنقرة أن تخرج من الحفرة العميقة التي حفرتها لنفسها؟»، وأجاب: «على أردوغان و(رئيس الوزراء التركي أحمد) داوود أوغلو العودة إلى المبادئ الناجحة الأصلية التي اتخذاها قبل عقد، وتخلوا عنها الآن بشكل متهور».
واعتبر فوللر في المقال الذي نشره موقع «زمان الوصل» المعارض، أن العامل الأكثر تدميراً لسياسة تركيا الخارجية كان موقفها من سورية، حيث فاقم أردوغان «المشكلة بشكل كبير، وشجع العناصر الجهادية المتطرفة على القتال في سورية، وساعد في إثارة المشاعر الطائفية، وأساء التعامل مع الأكراد السوريين»، مبيناً أن هذه «السياسات (أضرت) بالعلاقات مع الدول المهمة بالنسبة لتركيا، أي إيران والعراق وروسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمجتمعات الكردية، فضلاً عن العلاقات مع سورية نفسها».
ورأى المسؤول الأمني السابق أن أنقرة عقدت تحالفاً مشبوهاً وخطيراً، وبلا مستقبل، مع السعودية، وزجت نفسها في مواجهة مؤذية مع روسيا، كانت تركيا هي الخاسر فيها. وقدم وصفة لأنقرة كي تخرج من ورطة سياستها «المتخبطة». ودعا تركيا أولاً إلى «الإقرار بحقيقة أن الرئيس الأسد لن يسقط في أي وقت قريب.. وأن تتخلى عن جهودها المتكررة للإطاحة به»، مبيناً أن «روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين ومصر حتى أعداداً كبيرة من السوريين يعتقدون الآن بصحة المبدأ الذي يقول إن ما قد يأتي بعد (الرئيس) الأسد من المحتمل أن يكون أسوأ بكثير من (الرئيس) الأسد»، وشدد على أن «تركيا ليس لديها سوى القليل لتكسبه والكثير لتخسره في حال استمرار هذا الصراع العقيم».
كما طالب تركيا بـ«العمل مع القوى الكبرى للتوصل إلى حل سلمي في سورية، أي العمل مع الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، ورفض وجهة نظر السعودية السخيفة التي ترى إمكانية استيلاء جيش «سني» على دمشق». وشدد على ضرورة أن تعود أنقرة إلى سياستها السابقة بخصوص الصراع الطائفي في المنطقة، عبر التزام الحياد بين السنة والشيعة. وبينما طالبها بـ«تحسين علاقاتها مع إيران»، التي تضررت بشكل جسيم، دعا فوللر أنقرة إلى «الابتعاد عن بناء علاقات إستراتيجية مع السعودية» التي وصفها بـ«الرافضة لكل ما تدعو إليه تركيا من قيم الإسلام المعتدل والتسامح الديني والعرقي واللاطائفية وعدم التدخل والديمقراطية، وأسواق العولمة والجاذبية الثقافية والقوة الناعمة» محذراً من أن الرياض تسعى فقط إلى جعل أنقرة تبدو «بطلاً سنيّاً وحليفاً ضد (الرئيس) الأسد وإيران». وشدد على ضرورة أن تعطي أنقرة «الأولوية لإعادة تحسين علاقاتها مع روسيا، والكف عن محاولة جر حلف شمال الأطلسي «الناتو» إلى مواجهات غير حكيمة مع روسيا»، وصارح الأتراك قائلاً: «الحقيقة هي أن دخول موسكو في المعادلة السورية حيّد كل خيارات أنقرة وقيّد حرية عملها في سورية. أنقرة لا تستطيع أن تهزم روسيا دبلوماسياً. وعلاوة على ذلك، فإن موسكو تتمتع بوضع جيد يؤهلها للتوصل إلى تسوية سياسية في سورية».
وحذر من انزلاق تركيا في «حرب شاملة» ضد الأكراد في المنطقة، ودعاها إلى تكريس الأولوية لتوطيد العلاقات مع جميع العناصر الكردية في الشرق الأوسط. وأشار في النهاية إلى ضرورة تعاون أنقرة مع واشنطن، معتبراً أن الأمر يتعلق بأردوغان وبحسن وحكمة تصرفه، وتجنب التضحية بالمصالح التركية أمام «مصالح شخصية ومتهورة».