ثقافة وفن

الأخلاق والضمير

| د. علي القيّم 

أين الأخلاق في كل ما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي؟! أين «الوازع الديني»، أو ما يطلق عليه «النفس اللوامّة»، التي أقسم بها الله سبحانه وتعالى في سورة القيامة: «لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة».. أين الضمير، الذي يعايش الناس ولا يفارقهم، والذي يعد «ميزان العدل»؟! هذا الضمير الذي يقف حارساً يقظا؟ً في مواجهة النفس الإنسانية الأمارة بالسوء، فإذا ما حاولت أن ترتكب الآثام أو تخترق الحرمات، وتتجاوز الحدود كان هذا الضمير محاصراً لنزواتها، وعازلاً عند غوايتها وعن غيّها.
هذا الضمير إذا استدمنا إيقاظه داخل كل إنسان، حصلنا على أمة لا تعصي أمر الله، وتنمو فيها الأخلاق الحميدة، وتتكاثر فيها المآثر المحمودة في كنف الوازع الديني، الذي مصدره تقوى الله، التي تثمر الأخلاق، التي تلازم صاحبها في كل وقت، فالصدق صدق، في كل لحظة وكل حال، في اليسر وفي العسر.
في هذه الأزمات التي عصفت بالأمة الإسلامية، نشعر بجلاء أن ما حدث ويحدث بقوة، عن ضعف الأخلاق، وقصور في التربية والثقافة، وقصور في تنشئة «الضمير الوازع» الذي يعصم من الرزائل… وما حدث في «الضمير» لم ينشأ عفو الخاطر، وإنما عن إهمال مدروس، قادنا إلى ما وصلنا إليه من قتل وتدمير وإرهاب وفظائع لم تعرفها الأمة العربية والإسلامية، عبر تاريخها الطويل.
لقد أفسدوا الأخلاق والضمير الوازع، وأفسدوا علاقة التلميذ بالمدرسة والطالب بالعلم، وأفسدوا العلاقة الوثيقة بالمدرسة والجامعة والمجتمع والدولة والوطن، ولم نعد نعول على القدوة الصالحة، التي كنّا حتى وقت قريب نعتبرها الأساس الأول في مجال الأخلاق، ولم يعد الصغير يقتدي بالكبير، والابن يقتدي بالأب، والبنت تقتدي بالأم، والتلميذ بأساتذته، وأصبحنا نقول ما لا نفعل، ونفعل ما لا نقول..
بالله عليكم ما حدث ويحدث في عالمنا العربي والإسلامي، ما علاقته بالأخلاق، وبالضمير الوازع وبالقدوة الحسنة. ما علاقته بتعاليم القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة.. في إحياء «الضمير الوازع» في البيت والمدرسة ووسائل الإعلام، ازدهار للمجتمع، وامتناع عن الشرور والآثام، وإحياء للتراث العربي الإسلامي وللكلمة الطيبة التي قال عنها الله تعالى في كتابه الكريم، في سورة إبراهيم: «كلمة طيبة، كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء».
ما يحدث اليوم، ليس له علاقة بالدين ولا بالأخلاق ولا بالضمير الوازع.. ما يحدث هدد كيان الأمة، وزعزع بنيانها، ودمر حضارتها وأساس فعلها الأخلاقي الكبير… ما حدث ويحدث، كما يفعل المفسدون في الأرض الذين روجوا وخططوا لبضاعتهم الفاسدة، باسم الحرية المغلوبة على أمرها، والديمقراطية الغائبة، والشعب المقهور، وحسبنا أن نردد مع الخليفة الراشدي عثمان بن عفان (رضي الله عنه) حين وليّ الإمارة وصعد المنبر: «أمّا بعد: أيها الناس سيجعل الله بعد عسر يسرا وبعد ضيق فرجا، وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال..». وقدوة العمل والأفعال الحسنة والأخلاق الحميدة، هي الأقوى في مراحل الحياة كلها..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن