ثقافة وفن

رُفات فراشة… للوطن والحّب والذكرى

حملت قصائد الديوان شاعريّة الأنثى، وبساطة التعابير، وقوّة المباشرة، فلامست الهموم، ونجحت في الربط بين حكمة الحياة، ونضوج التجربة الخاصّة بها. «خلود شرف» الشاعرة السوريّة في ديوانها الذي كان عنوانه «رُفات فراشة»، قدّمت فيه القصائد بكلّ عفويّة، وكلّ اعتزاز، فلم تخجل من خليط هواجس الأزمة الغريبة عنّا.

يتألف الديوان من 55 قصيدة من نوع النثر، كانت بين الحبّ، والوطن، والعودة للذكريات، وتأمّلاتها الخاصّة، وتناثرت رموز الحياة السوريّة فيها، فنرى الكثير من الأسماء منتشرة في الديوان، والتي تذكرنا بالوطن دائماً من الفرات، إلى بردى، وكاناثا، ومهيار، وغيرها من أسماء العلم أيضاً.
ما يميّز الديوان هو البساطة حيناً، والكثافة حيناً آخر، فلم يحمل التكليف في التعبير عمّا يدور في خلدها، في حين كانت الحكمة من تجربتها الذاتيّة حاضرة أيضاً، ففي البساطة نقرأ في قصيدة «ما عرفت نفسي»:
ما رميتُ القصيدة
لأتعثّر بظلّها
حلمت يوماً أن أرتديَ اللونَ
كي أصير بشراً
فارتديتُ العنب
وجلستُ على اللونِ أرقب الضبابَ كيف يغتسل
هاربةً من الإغواءِ وأرقبُ نفسي
وفي الحكمة نقرأ أيضاً من قصيدة «ثقة»:
لا أثق بنهر وهب حكمته
ونسي نفسه
لا أثق بالتين على أمّه يرضع
أثق بنكهته
في فمي.
تقترب بعض القصائد إلى تحريض مخيّلة القارئ بصورة سريعة ليدخل عوالم قصّة أو مشهد تمثيلي أو ربط الكلمات بشيء من الذكريات التي عاشها، ولذلك يمكن للكاتبة أن تبرع في كتابة القصّة على ما يبدو؛ فبعضٌ من القصائد يمكن ملاحظة اقترابها من جنس القصّة القصيرة كما في قصيدة «تعويذة»، و«دعاءٌ سمعه ناطحٌ فاستجاب»، و«معابد الشمس» والتي تقول:
كانت تلهو مع العنب
حين أغواها النّحات
دخل حلمها
كسر الإزميل
ولم يعد.
ذات خطيئة
غرست أظافرها بالحجر
وتقمّصت لون النبيذ.
يحمل غلاف الديوان صورة تعويذة، لطالما ألفتها العين، وشاهدتها في كثير من استخدامات الحياة، وفيها اللون الأزرق الذي يردّ على حسدٍ ما، أمّا العنوان «رُفات فراشة» فلم يُأخذ من عنوان قصيدة كما اعتدنا في دواوين سابقة لشعراء آخرين؛ بل هو تعبير اقتصته «خلود شرف» من إحدى قصائدها «لستُ مني» ليكون العنوان الرئيس، ولمن يتتبع جمال الكلام سيعلم بأنّه مرتبط بذكرياتها في المكان الذي تربّت فيه، فكان للفراشات حضورٌ يستسيغ ويحرّض شاعريّتها لتتأمّل أكثر، وتكتب القصيدة.
يُقسم الديوان إلى قصائد تدور في فلك الوجع، والأزمة، وكانت تعابير الشوق للأمان، والعودة لهدوء المعيشة، دلالةً على ذلك كما في «لا حرج على الهواجس»، و«من أيقظ الحرب!»، و«ما المعنى أن تصير شهيداً»، والقسم الآخر في الديوان كان للحبّ، والعلاقة مع شريك الحياة، والشوق للقاء، كما في قصائد مثل: «كأس حياة»، و«قربانٌ من ليل»، و«ماءٌ مقدّس».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن