عناق افتراضي لسهيل عرفة
| حسن م . يوسف
رغم حزني أشعر أنني لست بقادر على الكتابة عن الفنان التشكيلي الفذ نذير نبعة والسينمائي المعلم نبيل المالح اللذين غادرانا خلال الأسبوع الماضي فأنا لا أطيق الزحام، لذا أكرس هذه الزاوية لسهيل عرفة الذي وقعت في حب إنسانه الرائع منذ أن التقيته لأول مرة قبل نحو ربع قرن.
أعترف أنني كنت، طوال سنين، أنتظر فرصة للتعبير عن عميق تقديري وبسيط حبي لهذا الإنسان الفذ. خلال الفترة الماضية جاءتني الفرصة مرتين على شكل كتابين؛ الأول بعنوان: «النغم والكلمة في حياة الموسيقار سهيل عرفة « كتابة وتوثيق الراحل الكبير ياسر المالح وأمل خضركي» والثاني لليافعين بعنوان «سهيل عرفة، رحلة في حدائق النغم» كتابة محمود يوسف. غير أن المواضيع الضاغطة المتتالية كانت تضطرني للتأجيل، لكن طيف سهيل عرفة لم يعد يفارقني منذ أن شاهدت اللقاء الذي أجرته معه قناة «سورية دراما» في 4 شباط الحالي، ضمن برنامج «أهلا بهالطلة» الذي تعده الزميلة المجتهدة روزالين الجندي وتقدمه الشابة اللطيفة ألمى كفارنة.
قبل نحو عقدين من الزمن دعيت لمهرجان الأغنية السورية في حلب وكلفت بكتابة الكلمات التي سيقدم بها المذيعون والممثلون أغاني المهرجان، وقد اختتم اليوم الأول بأغنية من خارج المسابقة أدتها المجموعة، هي أغنية: «بلدي الشام». قدمتُها بهذه الكلمات:
«جميعكم تعرفون كاتب كلمات أغنية بلدي الشام الشاعر حسين حمزة، (له الرحمة والذكر الطيب) صاحب الكلمة المُجَنَّحة المسكونة بحب أرض سورية وناسها، الذي صعد بالشعر الغنائي إلى ينابيعه العالية.
وجميعكم تعرفون ملحن تلك الأغنية، التي تهز الوجدان، الموسيقار المبدع سهيل عرفة.
تعرفون أنه لحن نحو ألف وثلاثمئة أغنية تحفل بها ذاكرة الناس. (ارتفع العدد الآن إلى 1500 أغنية). تعرفون أنه كُرِّم في العديد من البلدان والمهرجانات الموسيقية.
تعرفون أنه أكمل لتوه عامه الخامس والأربعين من الإبداع الفني الأصيل المتواصل (زاد عدد سنوات الإبداع عن الستين الآن). تعرفون أنه وضع الموسيقى التصويرية لستة وستين مسلسلاً، وأربعين فيلماً سينمائياً وعشرين مسرحية (زادت هذه الأعداد كلها الآن). تعرفون أنه يكاد يكمل سنته الثلاثين في الوظيفة، (تقاعد الآن) لكنه رغم ذلك ظل أبداً ممتلئاً بشهوة البراري وعبق الحرية، ورغم نحوله فإن قلبه يتسع العالم».
بعد ذلك التقديم طوقني سهيل عرفة بذراعيه وغمرني بعطره كياسمينة شامية وطلب مني أن أطبع له تلك الكلمات وأن أوقع عليها لأنه يريد أن يضعها ضمن إطار ويعلقها على جدار مكتبه. يومها أذهلني صفاء وبساطة وعمق المبدع الكبير-الطفل سهيل عرفة ومن يومها دخل إلى قلبي ولم يخرج منه أبداً.
خلال اللقاء مع ألمى كفارنة وددت مراراً لو أستطيع أن أخترق الشاشة كي أعانق ذلك المبدع الحكيم الذي أدرك باكراً بحسه السليم أن المحلية هي الأساس والمنطلق إلى العالمية.
يقولون إن العاقل يرى الفتنة في أولها أما الجاهل فلا يراها إلا في آخرها، وقد رأى سهيل عرفة الفتنة منذ يومها الأول. والحق أن غصته انتقلت إلى حلقي عندما سألته ألمى من صديقك الآن؟» فصمت لحظة ثم تساءل: «صديقي؟» أردفت ألمى موضحة: «بها الأيام الصعبة كلنا بحاجة لصديق يؤنسنا وقد لا يكون الصديق من لحم ودم»، عندها قال سهيل عرفة بصدق «بسيط كالماء، واضح كطلقة مسدس» على حد قول الشاعر الراحل رياض الصالح الحسين: « في هذه الأزمة الصديق الحقيقي بالنسبة لي، هو كل جندي في الميدان لأنه هو الذي سيقرر مصير سورية وأوجه تحية لكل جندي في الجيش العربي السوري ولكل من التحق كمساعد للجيش ولو كان عمري يسمح فأنا مستعد…».
أعترف أنني لم أستطع أن أمسك دموعي عندما غنى سهيل عرفة بصوته الأغنية التي لحنها للفنان القدير أبو صياح:
«لا تزعلي يا شام /من قسوة الأيام/ ما زال فيكي عيون / عـَ الضيم ما بـ تنام»
سهيل عرفة، شكراً لعمري لأنه أتاح لي أن أرافقك زمناً وأن أستمتع بإبداعك وأتنفس عطر إنسانك النبيل.