مشاركة الأرمن في المجالس النيابية السورية… إضاءة على المجلس التأسيسي … مناقشة القضايا والقوانين والدساتير التي ضمنت تطور سورية في المجالات كافة
| د. نورا أريسيان
تعد المجالس النيابية المرآة التي تعكس تطور الأحداث في البلاد في مختلف المجالات. وانطلاقاً من أهمية تقصي تاريخ المجالس لما يضيء من جوانب مهمة من تاريخ سورية المعاصر، وإبراز التنوع في سورية ماضياً وحاضراً، ينبغي توضيح مسألة مشاركة شريحة من النواب الذين كانوا يمثلون الأرمن- بجميع طوائفهم من الأرثوذكس والكاثوليك والإنجيليين- في المجالس النيابية في سورية، حيث سيمكننا ذلك من إلقاء نظرة تقييمية لمشاركة الأرمن إلى جانب زملائهم في الحياة النيابية في سورية على مدى عقود طويلة، بدءاً من المشاركة في صياغة الدستور وصولاً إلى إصدار القوانين من خلال عضويتهم في لجان عديدة منها: صياغة الدستور، ولجنة الدفاع الوطني، ولجنة القوانين المالية، ولجنة الشؤون الخارجية، واللجنة الزراعية، والقضائية، والتربية والتعليم، والتشريع والأوقاف، والتوجيه والإرشاد، والشؤون الدستورية والتشريعية، والشكاوى والعرائض، وغيرها. ولهذا دلالات واضحة على كفاءاتهم العالية وخبرتهم في العديد من المجالات والاختصاصات، من دون التقليل من ثقة زملائهم بهم.
فمن خلال دراسة مشاركات النواب الأرمن في كل المجالس النيابية التي تتالت في سورية، منذ الفترة التي تبدأ من تشكل المجلس التأسيسي عام 1928 وحتى نهاية الدور التشريعي التاسع في نيسان 2011، ومن خلال خطابات النواب واقتراحاتهم الواردة في المحاضر نستشف كيفية تعاملهم مع أمور تخص البلاد ومصلحة الشعب، ومدى اهتمامهم بالقضايا التي تمس المواطن السوري، ليس فقط في إطارهم الأرمني بل بكل ما يتعلق بقضايا تمس محافظاتهم ومناطقهم، وذلك من خلال نقل هموم الشعب أو شكاواه إلى المجالس لدراستها وإيجاد الحلول المناسبة واتخاذ القرارات المناسبة وطرحها أمام الوزارات المعنية.
وإذا ما بدأنا مع المجلس التأسيسي عام 1928 حيث تشكلت الحكومة برئاسة الشيخ تاج الدين الحسني وكان من أولى مهامها القيام بإجراء انتخابات مجلس تأسيسي يقوم بإعداد وإصدار الدستور الذي يجب على أساسه أن تحكم البلاد. جرت الانتخابات في 10 و24 نيسان 1928 وفاز بها مرشحو الكتلة الوطنية ومرشحو الفئات الوطنية الأخرى في أكثر المناطق. وكان المجلس التأسيسي السوري عام 1928 مشكلاً من سبعين عضواً (76 وفق مصادر أخرى)، وكان من ضمنهم 4 نواب أرمن: من حلب نقولا جانجي (جانجيكيان) وفتح اللـه آسيون (أرمن كاثوليك) ومهران بوزانتيان، وموسيس دير كالوسديان ممثلاً للواء الاسكندرونة.
وكانت نتائج انتخاب مكتب المجلس التأسيسي على النحو التالي: هاشم الأتاسي رئيساً للمجلس ونال (48 صوتاً)، أمين السر فائز الخوري (دمشق) (47 صوتاً) وأحمد الرفاعي (حلب) (48 صوتاً)، سعد اللـه الجابري (حلب) (57 صوتاً) ونقولا جانجي (52 صوتاً) مراقبين.
وكانت هيئة مكتب المجلس التأسيسي (9/6/1928– 11/8/1928) على الشكل التالي: هاشم الأتاسي رئيساً للمجلس، فوزي الغزي نائباً للرئيس، فتح اللـه آسيون، نائباً للرئيس، أحمد الرفاعي أميناً للسر، فائز الخوري أميناً للسر، سعد اللـه الجابري مراقباً، نقولا جانجي مراقباً، وفخري البارودي مراقباً. يذكر أنه في هذا المجلس التأسيسي تم ترشيح النائب مهران بوزانتيان أيضاً لانتخابه كنائب للرئيس، فحصل بوزانتيان على 13 صوتاً. لكن في النهاية تم انتخاب فوزي بك الغزي الذي حصل على 43 صوتاً.
وقد كانت اجتماعات الجمعية التأسيسية تنعقد لوضع دستور الدولة السورية. وانتخب إبراهيم هنانو رئيساً للجنة صياغة الدستور. كما تم انتخاب النائبين موسيس دير كالوسديان ومهران بوزانتيان من لجنة الدستور المؤلفة من 27 عضواً، حيث حصل كل من النائبين موسيس دير كالوسديان وإبراهيم هنانو على 59 صوتاً بالتساوي. والجدير بالذكر أنه عند انتخاب لجنة إبراز الأصوات المؤلفة من 11 عضواً ينتخب بوزانتيان من بينهم ويفوز بـ58 صوتاً.
أما في المجلس النيابي عام 1932 فقد جرت الانتخابات بتاريخ 6/4/1932 وفازت قوائم المرشحين الوطنيين. وفي 11/6/1932 انتخب السيد محمد علي العابد رئيساً للجمهورية وكلف حقي العظم تأليف الوزارة. واشترك الوطنيون في وزارة العظم بناء على الوعد الذي قطعه المفوض السامي لرجال الكتلة الوطنية بعقد معاهدة مع سورية وإنهاء حالة الانتداب.
في المجلس النيابي لعام 1932 تم انتخاب 66 نائباً من بينهم 4 نواب أرمن: من بلدية حلب هراج بابازيان ونقولا جانجي وهنري هندية (أرمن كاثوليك)، وموسيس دير كالوسديان ممثل الإسكندرونة.
وكانت هيئة مكتب المجلس النيابي (7/6/1932– 25/11/1933) على الشكل التالي: صبحي بركات رئيساً للمجلس، محمد فتيح نائباً للرئيس، سليم جنبرت نائباً للرئيس، لطيف غنيمة أميناً للسر، محمد جراب أميناً للسر، موسيس دير كالوسديان مراقباً، عارف الجزار مراقباً، منان نيازي مراقباً.
وفي الجلسة بتاريخ 29/10/1932 تغير نائبا الرئيس فأصبح كل من هنري هندية وفارس الزعبي نائبي الرئيس.
وفي محاضر المجلس النيابي نجد أن النائب الأرمني موسيس دير كالوسديان انتخب عضو مكتب المجلس- مراقباً بـ34 صوتاً، كما انتخب من لجنة الطعون.
وفي الجلسة الرابعة الواقعة في 14/6/1932 تحت رئاسة صبحي بركات قبلت الهيئة العامة هراج بابازيان وموسيس دير كالوسديان نواباً. وفي الجلسة الخامسة بتاريخ 9/11/1932 انتخب موسيس مراقباً. أما في الجلسة السادسة بتاريخ 10/11/1932 انتخب موسيس دير كالوسديان من اللجنة الداخلية بـ32 صوتاً، كما انتخب هراج بابازيان من اللجنة الزراعية بـ30 صوتاً.
وبهذا نرى أن النواب السوريين الأرمن شاركوا إخوانهم العرب في النضال من أجل الإصلاح الدستوري في الفترات الأولى، حيث استطاعوا بمشاركتهم في المجالس التشريعية تحقيق مصالح الشعب من خلال معالجة قضايا تهم القضاء والزراعة والتعليم وغيرها، إضافة إلى إصدار القوانين المناسبة لتنفيذ مشاريع زراعية وتعليمية وأمور مالية واقتصادية وغيرها.
لقد واكب النواب الأرمن الحياة الدستورية والنيابية وتفاعلوا مع الأحداث السياسية التي مرت بها البلاد، مدافعين عن حقوق الشعب، ومعتبرين أن النيابة هي مسؤولية وطنية يجب إتمامها على أكمل وجه. لنجد بعضهم قد وصل إلى عضوية هيئة مكتب المجلس أو أصبح مقرراً في إحدى اللجان الدائمة.
فإلى جانب نخبة من جميع شرائح سورية من مثقفين ورجال أعمال وقانونيين وغيرهم من السوريين الذين ضمتهم المجالس النيابية استطاع النواب الأرمن على اختلاف الفترات الزمنية المشاركة في اتخاذ قرارات مهمة ومناقشة أمور دستورية وتشريعية لما يضمن تطور سورية في كل المجالات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية. ولا ننسى أنه في إطار طرح القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت القضايا الوطنية المحور الذي استند إليه هؤلاء النواب.
ومن خلال اطلاعنا على نصوص المقترحات والخطابات التي قام النواب الأرمن بتوجيهها في المجالس، والمصير الذي آلت إليه وتفاصيل المناقشات فيما بين النواب يتضح لنا أن النواب الأرمن أسهموا في اتخاذ قرارات وتقديم اقتراحات في مسائل عديدة منها إعداد الدستور وقانون الموازنة وضريبة الدخل، والتقاعد والتعليم وتأمين ربح المزارعين وموازنة المصرف الزراعي، والصحة وقانون العقوبات وزيادة الرواتب وجر المياه. وكذلك في أمور خدمية تتعلق بالسيارات وأماكن الاصطياف والمطارات وإصلاح الطرقات وأزمات الغاز والكهرباء وحماية المستهلك والضرائب وغيرها.
لقد تعاقب على تمثيل الأرمن في البرلمان السوري منذ عام 1928 حتى 2011 واحد وعشرون نائباً أرمنياً. وكان كريكور أبليغاتيان الأكثر تولياً لهذه المهمة مدة ثماني دورات، ويليه فتح اللـه آسيون لمدة أربع دورات ثم نقولا جانجي وموسيس دير كالوسديان وديكران جيراجيان ثلاث دورات.
لقد كانوا جميعهم يتمتعون باحترام زملائهم وحازوا ثقتهم في تحمل المسؤوليات تجاه أبناء الطائفة الأرمنية وأبناء محافظاتهم على حد سواء. فقد أبدى النواب الأرمن غيرتهم على وطنهم ومسؤوليتهم تجاه منصبهم فطرحوا مواضيع مهمة تناولت مسائل تتعلق بالحياة الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، فكانوا الجسر الذي يصل بين المواطن والسلطة التشريعية والتنفيذية. وسعوا جميعهم إلى تمثيل الطائفة الأرمنية خير تمثيل، وتعزيز الصداقة العربية السورية الأرمنية، وفي الوقت ذاته تفعيل دورهم كمواطنين سوريين في ازدهار سورية نموذج التعايش في الوطن العربي.