إشارات مهمة في اتفاق (الهدنة)
| باسمة حامد
يؤشر الاتفاق الأميركي الروسي ولاحقاً القرار الأممي 2268 (لوقف العمليات العدائية) على تكيّف واشنطن وشركائها الغربيين مع الواقع الراهن إثر تعثر تنفيذ الخطط الأميركية في سورية منذ العام 2011.
وأهمية الاتفاق الذي اعتبره الرئيس الروسي مماثلاً لما اتُفق عليه بين موسكو وواشنطن بخصوص تدمير السلاح الكيميائي السوري تكمن في عدة نقاط كونه:
تزامن الاتفاق مع إدانات دولية واسعة للتفجيرات الإرهابية التي وقعت في السيدة زينب بدمشق وحي الزهراء بحمص، واللافت في هذا الإطار أن الخارجية الأميركية ربطت إرهاب «داعش» واستهدافه الأبرياء «حول العالم» بضرورة وجود «جهد موحد وعالمي لتدمير هذا التنظيم الإرهابي».
عكس حجم روسيا كقطب دولي يساوي القطب الأميركي بالقوة والتأثير والفعل والحضور، وشدّد على استمرار «الدعم القوي» الروسي الأميركي «لإنهاء النزاع».
قوّى موقف الحكومة السورية وأبرز شرعيتها بشكل واضح لا لبس فيه.
أيّد القرارات الدولية الصادرة بشأن الإرهاب فالبيان المشترك أكد أن: «الأعمال العسكرية التي تشمل غارات القوات المسلحة للجمهورية العربية السورية والقوات المسلحة الروسية والتحالف ضد تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة ستستمر على التنظيم وجبهة النصرة وغيرهما من المجموعات التي يصنفها مجلس الأمن الدولي بأنها إرهابية».
أقرّ بحق الجيش العربي السوري وحلفائه في محاربة التنظيمات الإرهابية وحفظ حق الرد لديه، بالمقابل، فإن الاتفاق أضعف موقف الفصائل المسلحة وشتتها، وحشر ما يُسمى «المعارضة المعتدلة» وداعميها في زاوية ضيقة مع انعدام قدرتها على تغيير موازين القوى، وانصياع بعضها للمطالب الدولية بخصوص الالتزام بشروط الهدنة ورفض بعضها الآخر لهذه المطالب.
فهل سيمهّد هذا الاتفاق لعودة الأطراف المعنية إلى طاولة جنيف في المستقبل القريب من أجل بلورة تسوية سياسية ملائمة ضمن لعبة التوازنات الدائرة على صفيح ساخن بين محوري موسكو وواشنطن؟!
السؤال يطرح نفسه في ضوء التطبيع الإعلامي الغربي الجاري على قدم وساق مع الرئيس الأسد، فالعلاقات الدولية مع (النظام) يُعاد ترتيبها على أساس التسليم بقدرته على الصمود حتى ولو قاتل منفرداً من دون حلفائه، ولذلك يبدو أن فرص تحسن الوضع الإنساني والأمني في الداخل السوري باتت أقرب من أي وقت مضى.
فالرفض المصري الصريح للخيار السعودي (التدخل البري)، و«تنحي» وزير الخارجية الفرنسي /لوران فابيوس/ لفشله بإدارة الملف السوري، واعتذار المغرب عن استضافة (القمة العربية) ليست مجرد عناوين عادية في المشهد العام ونحن على مشارف العام السادس من الحرب على سورية.
والأكيد أن التراجع السريع للرياض وأنقرة عن تهديداتهما بالتدخل البري وربط الأمر بمشاركة «جماعية» لدول تحالف واشنطن.. والإعلان عن الزيارة المرتقبة للملك السعودي إلى موسكو منتصف الشهر القادم مع إغلاق روسيا كل الأبواب بوجه الرئيس التركي.. إضافة إلى التعهدات السرية التي قطعتها المملكة لروسيا بشأن تراجعها عن تزويد الفصائل المؤيّدة لها في سورية بمضادات الطائرات (روسيا -وفق مصادر إعلامية- هددتها بتزويد الحوثيين بتلك المضادات حال تنفيذها للخطوة باعتبارها تشكّل تهديداً مباشراً لها ولطائراتها المقاتلة في سورية)… يجعل الحديث حول نجاح الروس بتحقيق خرق مهم في التحالف التركي السعودي حديثاً منطقياً.
ولا شك أن الأسابيع القليلة القادمة ستحمل الجواب الواضح عما إذا كان النظام السعودي – وهو المأزوم اقتصادياً والغارق بالمستنقع اليمني- سيستثمر سياسة اليد الروسية الممدودة ويقفز إلى سفينة النجاة أم إنه سيؤول إلى السقوط المفاجئ ويدفع حليفه الأميركي «للبحث عن بدائل عن آل سعود».