الخير.. والشر..!
| عصام داري
مهما غرقنا في بحر الأحزان والبؤس، نستطع أن نبلغ شاطئ الفرح إذا امتلكنا مفتاح الإرادة، ومهما تهنا في مفازات وصحارى لا نهاية لها، فإننا قادرون على بلوغ بر الأمان، لأننا نمتلك الأمل الذي نعتبره البوصلة إلى تتخطّى كل الصعاب والمتاعب.
لكن، وسط كل الذي جرى حتى الآن، نسأل أنفسنا، ويسألنا الآخرون باستغراب واستهجان:هل يحق لنا أن نكتب عن الفرح والفنون والحب والعشاق في الوقت الذي تملأ الدموع مآقي الكثيرين من أبناء بلدنا؟، وهل نجتر أحزاننا ونغرق في سواد لا نهاية له ونتنكر لكل فرح، حتى وإن كان فرحاً عابراً؟.
نعيش أيامنا بكل تفصيلاتها وثوانيها، نتفاعل مع أحداثها المأساوية الحزينة، ونتفاءل مع أخبارها المفرحة، لا نريد إلا أن نعيش حياتنا بشكل طبيعي، بعيداً عن الكآبة والغضب والأحقاد والكراهية والحروب والدمار، ولا أظن هذه الأمور كثيرة على الإنسان المحسوبة عليه أيامه ولياليه في مسيرة حياته في هذا الكوكب.
نعيش الحب، ونشعر بالخيبة، نتفجر غضباً، فرحاً، نذوب حناناً ورقة وعذوبة، نظن أننا في عالم مسحور نحلق في سماوات لا حدود لها.
كل هذه المشاعر المتناقضة هي التي تكوّن الإنسان وتميزه عن بقية المخلوقات، إلا أن المصيبة أن تتغلب نوازع الشر وعناصر الإجرام والفساد عند شخص على جينات الخير، وهذه هي أم الكوارث، ولعلنا في هذا الوطن الذي يسمى سورية، نعرف أكثر من غيرنا معنى أن يطغى الشر على النفس الإنسانية.
قرأت منذ أيام جملة أعجبتني تقول: (إن النفس الإنسانية هي مرآة الروح وتعكس ما يمكن أن يكون عليه حال ابن آدم من خير أو شر ولعل النفس أمارة بسوء أكثر).
والنفس هي أيضاً الروح والجسد والدم، وهي القوة والنشاط اللذان يميزان الإنسان، وهي التي تسيطر على حركاته وهي القوة التي يحيا بها الكائن الحي.
أين تسكن مشاعر الحب والخير ونوازع البغضاء والكراهية في النفس الإنسانية؟ وهل بإمكاننا تخفيف خطر النوازع الشريرة والإجرامية عبر العلم والتكنولوجيا والطب في هذا العصر؟.
وبالمقابل، هل نستطيع زراعة المشاعر الإنسانية النبيلة كالعطف والمحبة والحب والتسامح والغفران والصدق وغيرها في النفس الإنسانية؟.
ليتنا نستطيع الوصول إلى ذلك عندها تصبح مدينة أفلاطون الفاضلة في متناول اليد، ويصبح البشر دعاة محبة وصناع سلام وخير.
تصور الروائي الروسي الكبير ديوستوفسكي أن إنساناً واحداً من الأرض نقلته مركبة فضائية إلى كوكب بعيد، هو فعلاً كوكب مثالي، أو (كوكب فاضل)، وبعد فترة قصيرة من قدوم هذا البشري إلى ذلك الكوكب، تحول إلى كوكب فيه من الشرور والإجرام ما يوازي ما في كوكب الأرض.
وهكذا نستطيع أن نقول بثقة «إن فاسداً أو مجرماً واحداً يستطيع أن يحول كوكباً كاملاً من المثالية إلى الفوضى والفساد وكل النوازع الشريرة التي تسكن في جيناته».
هذا ما رواه الكاتب الروسي، فكيف تكون حال سورية وفيها عشرات آلاف الفاسدين والمجرمين والإرهابيين، وأصحاب الضمائر الغائبة والقلوب المتحجرة ومنتهكي حقوق البشر والشجر والحجر؟.
وما زال الحب يورق ويزهر على الرغم من كل ما جرى ويجري.