الملتقى الاقتصادي العمالي الأول… محاكمة الحكومة..انتقادات صريحة لحاكم المصرف المركزي.. وهو يرد…وزير المالية: المكتب يعمل لكن الحكومة لا تسمح بنشر أرقامه
محمود الصالح:
شكل الملتقى الاقتصادي العمالي الأول وللمرة الأول خلال هذه الأزمة منبراً وساحة لمواجهة صريحة وجريئة بين أصحاب الرؤى الاقتصادية من أساتذة جامعات ومحللين اقتصاديين وبين البعض من الفريق الحكومي الذي بدا موقف البعض منه متشنجاً من خلال الإجابات التقليدية عندما انبروا للدفاع عن السياسات الاقتصادية الحكومية والإجراءات التي رأى البعض فيها تعميقاً للأزمة الحالية، وعلى الرغم من التنظيم الجيد لجلسات الحوار وإدارتها بشكل علمي وموضوعي والعمل على تبويب محاور الملتقى بغية تحقيق الفائدة المرجوة، فقد اعترض البعض من الجمهور على ما جاء في توصيف المحاضرين للأزمة ومفرزاتها.
إبراهيم: حرب بطيئة
د. غسان إبراهيم وصف العقوبات الاقتصادية بأنها حرب بطيئة وهي لا تدمر الطاقات دفعة واحدة بل على مراحل وبين أن العقوبات تمتاز بسمتين الأولى سلبية من حيث التدمير البطيء للموارد الاقتصادية، والمقصود القدرة على الإبداع وليس التدمير المادي والسمة الثانية الحالة الإيجابية وهي التي تمكن من يتعرض لها من ترسيخ الاعتماد على الذات أو التنمية الذاتية.
وأشار إلى أن الحرب التقليدية أو ما سماها (الخشنة) وتأتي بمواجهتها الحرب اللينة أو الناعمة وفي القوانين الدولية لا توجد عقوبات اقتصادية وهي من اختراع الولايات المتحدة الأميركية التي فرضتها على دول العالم 163 مرة ولم تكن العقوبات بهدف معاقبة الخصم بقدر ما هدفت إلى تحقيق مصالح من يفرضها، ويعتقد إبراهيم أنه في مثل هذا الملتقى لا داعي لذكر الأرقام لأنها لا تقدم شيئاً للجمهور ولا يعتقد بجدوى العمل التنموي في ظل غياب الاستقرار الأمني.
حجازي: لا أرقام إحصائية
د. حسن حجازي اتهم المكتب المركزي للإحصاء بعدم إعداد أي أرقام إحصائية أو خريطة لما تعرضت له سورية وهذا ما تحتاجه الخطة التي يمكن أن توضع لإعادة البناء.
الحمش: اقتصاد الفقر
د. منير الحمش: وصف اقتصاد اليوم بأنه اقتصاد حرب وعلى الجميع بذل كل الجهود لمواجهة الأزمة بكل تفاصيلها وعزا أسباب هذه الأزمة إلى سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي التي أخذها الفريق الاقتصادي قبل الأزمة والتي كان ينفذ من خلالها متطلبات الغرب من سورية سواء كان يدري هذا الفريق أنه يفعل ذلك أم لا يدري، وبدت المشكلة أكثر وضوحاً في الخطة الخمسية العاشرة واتهم الحمش سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي بزيادة البطالة والفقر وإهمال الريف وإغلاق آلاف المعامل وتراجع التعليم وانتشار الفساد والدخول فيما يسمى مجتمع المخاطر وكل ذلك لأننا في سورية كنا نشكل عقبة أمام تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وللأسف جهاتنا المختصة لم تكن تدرك أبعاد ذلك وطرحنا حينها شعار التمكين قبل التحرير، والمقصود تحرير التجارة. وبغصة بالغة يروي الحمش منظر ثلاثة عشر وزيراً سورياً وتركياً وهم يقطعون حاجز باب الهوى الحدودي الذي من خلاله دخلت البضائع التركية إلى كل مكان، ومن هذا الحاجز دخلت الأسلحة والإرهابيون. إن السياسة اللبرالية هي التي أوصلت البلاد إلى ما نحن فيه وشكلت التربة التي نمت فيها المجموعات المعارضة وحتى الحكومات التي جاءت خلال الأزمة لم تدرك هذه الحقيقة واستمرت في تنفيذ هذه السياسة.
وزادت معاناة الناس وانخفض الدعم وارتفعت الأسعار ما أدى لإنهاك الاقتصاد وتمظهر ذلك بفقدان الموارد وارتفاع سعر الصرف- غير المفهوم وغير المقبول وغير المنطقي- وطالب بإعادة الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة وإعادة احتكار السلع الأساسية بالقطاع العام ومنع الاتجار بها.
حورية: 40% نسبة البطالة
عمر حورية عضو الاتحاد العام لنقابات العمال تحدث عن تأثر الطبقة العاملة في هذه الحرب قائلاً: ارتفعت نسبة البطالة من 8.8% عام 2010 إلى 40% في الوقت الحالي وخرجت آلاف المعامل من الإنتاج وانخفضت القوة الشرائية وكانت الطبقة العاملة أو ما تسمى طبقة ذوي الدخل المحدود هي الأكثر تأثراً بالأزمة لأن مواردها محدودة بهذا الراتب والأسعار ترتفع يومياً دون أي ضابط لذلك. وأضاف إن الطبقة العاملة تحتاج إلى سياسات اقتصادية واضحة تحقق اقتصاداً قوياً يوفر الحياة الكريمة لكل الناس بعيداً عن السياسات الاقتصادية الارتجالية الليبرالية التي لم نجن منها إلا الخيبات لأننا وصلنا نتيجة هذه السياسات من 12.3% من المواطنين تحت خط الفقر إلى 34.3% ولم تعد الأزمة مقتصرة على العمال والفلاحين بل انضمت إليهم شرائح جديدة من الطبقة المتوسطة وعشرات الآلاف من المهجرين وبينما كان المحاضرون يتحدثون كانت أقلام النقاد والمسؤولين تسجل للرد.
حورية مدافعاً عن الاقتصاد السابق
الدكتور ياسر حورية رئيس جامعة الشام الخاصة قدم مداخلة دافع فيها عن سياسة الحكومة السابقة متهماً الباحث الحمش بإهمال الجانب السياسي الذي كان سائداً خلال تلك الفترات وخصوصاً العالمي منه نافياً أن يكون سبب الصراع على سورية صراعاً اقتصادياً واستغرب محاربة اقتصاد السوق الاجتماعي قائلاً: نحن لم نخترع هذا الاقتصاد في سورية علماً أنه حقق نمواً كبيراً وقد يكون أهمل الجانب الاجتماعي على حساب الجانب الاقتصادي.
سلمان: صقور بغياب الحكومة
الدكتور حيان سلمان معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بدأ أكثر المداخلين تشنجاً متهماً المحللين الاقتصاديين والباحثين بأنهم صقور في غياب أصحاب القرار وعلى عكس ذلك في حضورهم، وعارض أي باحث لا يقدم الأرقام لأنها اللغة الاقتصادية الصحيحة وأشار إلى أن الصادرات انخفضت من 569 ملياراً عام 2010 إلى 77 ملياراً عام 2013، أما أرقام الموازنة فهناك 983 مليار ليرة مخصصة للدعم.
وزير المالية: الحكومة توفر حاجات الناس
د. إسماعيل إسماعيل وزير المالية: أكد أن المكتب المركزي للإحصاء يضع الأرقام ويتابع ولكنه لا ينشر نتائج عمله لأن هناك طلباً من الحكومة بعدم نشر الأرقام ودافع عن الحكومة بأنها توفر حاجات المواطنين وهناك مخازين تكفي الحاجة.
مصطفى: هناك فجوة
د. أسامة مصطفى: أكد وجود فجوة حقيقية في الواقع الاقتصادي للمواطن وتساءل: هل استطاعت الحكومة على مدى أربع سنوات أن تؤمن مستوى معيشياً مقبولاً للمواطن وتأسف جداً على استهلاكنا احتياطات النقد دون أي فائدة ورفع الأسعار دون أي نتائج إيجابية لمصلحة المواطن.
إسماعيل الخالد من حزب الإرادة الشعبية قال: من حق الجميع أن يطالبوا بحلول ولكن يجب أن نرى الصورة كاملة ولابد قبل ذلك إنهاء الحرب حتى نصل إلى حلول صحيحة والحقيقة أنه ليس صحيحاً أن الحكومة زادت إنفاقها لأن الإنفاق تراجع ورقم الدعم قياساً إلى سعر الصرف أقل بكثير مما كان عليه.
حاكم المصرف: نمول مستورداتنا
د. أديب ميالة حاكم مصرف سورية المركزي قال: العقوبات على سورية كانت مجحفة ولها أثر كبير ولكننا استطعنا أن نتجاوز عبء هذه العقوبات في وقت عجزت كبرى دول العالم عن مواجهة مثل الأزمة التي نواجهها، وعلى الصعيد المالي مازلنا حتى الآن نستطيع أن نحرك أموالنا في الخارج ونمول مستورداتنا لتأمين احتياجات الشعب أما السياسة النقدية فنحن نقوم بتأمين احتياطات الاقتصاد والوطني والحفاظ على سعر صرف الليرة.
ومن يهاجم المزادات التي نجريها لبيع الدولار أقل له: هذه المزادات بعلم وبقرار وموافقة رئاسة مجلس الوزراء، ولا أريد لأحد أن يحمل الحاكم مسؤولية ذلك لأن كل الجهات المسؤولة في البلاد ساهمت في استقرار سعر صرف الليرة.
وللأسف وجدت أن جزءاً كبيراً من الكلام هو ناقد لاقتصاد السوق الاجتماعي علماً أن الفريق الاقتصادي كان ينفذ سياسة الحزب.
أما توصيف منظر إزالة الحدود مع تركيا ليس صحيحاً إنها ساهمت في إدخال الأسلحة وهذا خطأ كبير أن يقال ذلك. والحقيقة أن اقتصاد سورية صامد وهذه ليست شعارات بل واقع وهو يرتكز على المقاومة الشعبية الجميع يقاوم العامل والطالب والشارع ولا يمكن لأحد أن يحتكر الصمود في سورية لنفسه.
وعقب الدكتور منير الحمش قائلاً: نحن لا نهاجم السوق الاقتصادي الاجتماعي ولكن نهاجم تطبيقه الذي لم يكن صحيحاً والقيادة السياسية ليست مسؤولة عن اقتصاد السوق الاجتماعي وإنما رئيس الفريق الاقتصادي.
بكداش: الليبرالية هي المسؤولة
د. عمار بكداش: لا أتفق مع مقولة أعطونا الحلول دون توصيف بل يجب أن نشخص المشكلة ونضع لها الحلول: هناك تناقض بين السياسة التحريرية لسورية مع السياسة الاقتصادية الليبرالية المطبقة والتي لصق بها اسم السوق الاجتماعي وهي ليست اقتصاد السوق بل الليبرالية المطلقة وهي اقتصاد غير إنتاجي على حساب الاقتصاد الإنتاجي وأدت لضرب الإنتاج الوطني وأدت إلى زيادة الفقر ووفرت التربة لنمو أعداء الوطن والتآمر عليه.
ويجب إزالة أسباب المرض قبل المطالبة بإزالته، وأسباب ما نحن فيه الليبرالية الاقتصادية واستمرارها يعني استمرار الأزمة فقط الأغبياء من يتعلمون من تجاربهم وحكومتنا سمحت بتهريب 18 مليار دولار إلى الأسواق أي اقتصادي وطني يسمح بذلك.
الشهابي: لا تعتبروهم أعداء
المهندس فارس الشهابي رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية تحدث عن التعافي الاقتصادي واقع وتحديات واضعاً الصناعة أنموذجاً مؤكداً أن هذه الحرب قد بدأت باستهداف المنشآت الصناعية والمحلات التجارية قبل استهدافها المواقع العسكرية وهذا يدلل بشكل واضح أن المقصود بالدرجة الأولى تدمير القوة الاقتصادية لسورية. وأكد أنه لا توجد حتى الآن سياسة اقتصادية واضحة ولا بديل عن إعادة حركة الإنتاج لأن في ذلك يمكن أن يتحقق استقرار أسعار الصرف وزيادة القطع الأجنبي وسياسة التحصيل التي تتبعها الحكومة تدمر الاقتصاد الوطني ولن تنقذه وهي تساهم في تطفيش الصناعيين والمستثمرين وتعمل على محاربتهم.
ودعا إلى عقلنة الإنتاج لأنها من أهم جوانب إطلاق العملية الإنتاجية نحو اكتفاء ذاتي قوي ومتين. وطالب الحكومة ألا تقدم المعونات للصناعيين بل رعايتهم وتفهم أوضاعهم والعمل على حل مشاكلهم وليس اعتبارهم أعداء يجب الثأر منهم وإذا عادت عجلة الإنتاج يمكن أن نطالب الصناعي بدفع ما عليه للدولة وطالب باعتبار حلب مدينة منكوبة بالكامل وتشديد الرقابة والحماية للمدينة الصناعية في الشيخ نجار وتمديد مدة تنفيذ القانون رقم 28 المتضمن إعفاء أصحاب الأعمال المشتركين لدى التأمينات الاجتماعية.
السيوفي: خلية أزمة بغرفة مغلقة
د. قحطان السيوفي تمنى أن تكون الحكومة حاضرة لهذا الملتقى الهام جداً مبيناً أنه خلال الأزمات يكون للدولة الدور الإيجابي الأول وتتدخل لإنقاذ الاقتصاد الوطني وعندما يتعرض الفرد والمجتمع لأزمة تشخص الأبصار إلى الدولة لأنها الملاذ الآمن.
وتساءل السيوفي عن جدوى تدخل الإدارة المالية في الأزمة وطلب معرفة مصير الكتلة الأكبر من الدولارات هل هي لاستيراد المواد أم أنها ذهبت إلى الخارج أم دخلت إلى المضاربات واقترح أن تخرج الحكومة من إجراءاتها وأن تواكب الظرف وتشكيل خلية أزمة اقتصادية تعمل في غرف مغلقة وترشيد التدخل الإيجابي ووضع آلية لضبط ارتفاع الأسعار التي بات المواطن الصامت يعاني منها واستخدام الأدوات المالية لمطالبة بعض الفعاليات بالأرباح الكبيرة التي حققها من الأزمة أن يكون تدخل المصرف المركزي مدروساً وموضوعياً وأن يتم بيع القطع للمصارف فقط ووقف المزادات لبيع القطع.
قلاع: حالة جلسة الملتقى كحالة سورية
غسان قلاع رئيس اتحاد غرف التجارة السورية تأسف لغياب من كان حاضراً في الجلسة الأولى وغادر في الجلسة الثانية مشبهاً ذلك بحالة سورية تماماً وطالب بالاهتمام بالزراعة لأنها الضمانة الأساسية للصمود مبيناً أنه لولا ما ندخره من مواد لما استطعنا أن نقف حتى الآن وأكد أن الدعم الأول يجب أن يكون للزراعة بشقيها النباتي والحيواني وشدد على ضرورة العمل منذ الآن في إعادة البناء وفي جميع الاتجاهات في المصانع والأراضي والمشافي والمدارس وحذر من محدودية موارد المياه في المستقبل ودعا إلى الاعتماد على زراعة لا تستهلك المياه.
وبين أن التجارة هي التي جذبت الصناعة فعندما لم يعد التاجر يستورد حاجته اعتمد على نفسه في تصنيعها، ويجب إعادة تموضع الصناعة بشكل مناطقي يناسب الثقافة العامة والأرض وتوفر مستلزمات الإنتاج.
ويجب التركيز على إعادة إصلاح الفروع التي توفر مستلزمات المعيشة لأنها الأساس في إعادة البناء.
قادري: نافذة للحوار البناء
وليس لرسم سياسات
هذا وكان رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال قادري قد تحدث في بداية الملتقى حيث أكد أن الغاية من هذا الملتقى تحقيق التشاركية قولاً وفعلاً لأن الاستهداف الاقتصادي كان واضحاً منذ بداية الحصار، وتخريب المنشآت وتقطيع أوصال الاقتصاد واستهداف العمال والتلاعب بالنقد والمضاربة على الليرة بهدف تجويع وتركيع الشعب العربي السوري لأنه واجه المؤامرة ولأنه اختار الوقوف مع دولته مؤكداً أن لدينا معاناة اقتصادية كان عبؤها الأكبر على ذوي الدخل المحدود وهذا الملتقى أردناه نافذة للحوار البناء وليس لوضع سياسات جديدة بل تبادل الخبرات وتسليط الضوء على الزوايا غير المرئية في اقتصادنا والبحث فيما يمكن فعله ويجب أن نبحث في كيفية دعم كل من صمد في هذا الوطن وأن تكون عملية التعبئة بشكل ممنهج.
عضو القيادة القطرية رئيس مكتب العمال القطري محمد شعبان عزوز قال: لقد خطط أعداء سورية منذ اللحظات الأولى للحرب إلى تدمير جيشنا واقتصادنا وما يهمنا اليوم أن نستفيد من تجارب الآخرين وأن نعمل جاهدين لتعزيز صمودنا الوطني بوضع اليد على الجرح وأن نطرح الأفكار التي تسهم في تعزيز اقتصادنا الوطني.