نظام مأزوم
| عبد المنعم علي عيسى
في لحظة من اللحظات تزداد فيها الضغوط على أيّ كيان- أو نظام- سياسي يصبح عندها هذا الأخير شديد الحساسية تجاه أي حدث أو عارض كبيراً كان أم صغيراً.
وفي السياق تظهر سلوكيات مفاجئة على أدائه السياسي من الصعب تحديد دوافعها أو الأهداف المرجوة منها، كما تكون ردّات الفعل التي يتبناها ذلك النظام غير مبرّرة ولا تحتملها الحقائق أو الوقائع على الأرض قياساً إلى المردود النفعي أو إلى المردود القيمي أو الأخلاقي.
منذ أن انطلقت أحداث «الربيع العربي» في كانون الأول من عام 2010 بدا واضحاً أن الرياض عازمة على الاستثمار فيها إلا أن حسابات الحقول لم تأتِ إطلاقاً على حسابات البيادر ولم يمضِ وقت قصير حتى بدت الجعبة السعودية ممتلئة بالمزيد من الانكسارات أو المزيد من الخيبات، والمزيد من الاثنين كان يدفع نحو رعونة أكبر وحماقة أكثر كأن الساعة في الرياض قد تسمّرت عند الحادية عشرة من شباط 2011 (سقوط نظام حسني مبارك في القاهرة).
تقرأ الأزمة التي افتعلتها الرياض مؤخراً مع لبنان على أنها تمثل حالة من فقدان السيطرة على الأعصاب وما تسخين الجبهة اللبنانية في هذه الآونة إلا محاولة من الرياض لجرّ تل أبيب إلى التدخل في الصراع الدائر على الأرض السورية بعدما أبت واشنطن أن تفعل.
وفي الغضون تنظر الرياض إلى كرة الثلج الأوروبية المتدحرجة باتجاهها نظرة قلق لها ما يبررها فأن يتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً (في الأسبوع الماضي) بوقف شحنات الأسلحة إلى المملكة السعودية فهذا قرار ليس عادياً، صحيح أنه لم يدخل طور التنفيذ بعد إلا أنه سيدخله عاجلاً أم آجلاً والأهم هو أن النظرة الأوروبية الحالية تبدو وكأنها تتهيأ للقفز فوق مصالحها الاقتصادية نصرة للقيم والمبادئ التي ترفع راياتها، ما يبشر بأن بقعة الزيت السويدية سوف تنتشر في الأزياء الأوروبية لتلطخ زركشتها.
ترصد العشرات من التقارير الغربية حالة القلق التي تعتري الشارع السعودي جراء الدور الذي بدأت الرياض بتقمصه لتتحول بذلك إلى كيان تناحري مع المحيط والخارج، كما ترصد تلك التقارير حالة الانفصام المتنامي الذي يحكم العلاقة القائمة بين الشارع السعودي والنظام الذي يحكمه.
باتت الجغرافيا السعودية حبلى بالكثير مما يشي بولادة كيان مغاير بينما المناخات الدولية أكثر استعجالاً من الداخل السعودي لإجراء جراحة قيصرية، تبقى المعضلة في الرؤيا الأمريكية التي تفضل في مثل حالات كهذه الصيد بواسطة «الشبكة» بمعنى قنص السمكة من دون إيذائها.