من دفتر الوطن

مَنْ لا يَتَطَوَّر يُدَمَّر

| حسن م. يوسف 

«عندما يموت الفيل يستطيع الفأر أن يرقص فوق جثته».

بعد أن كتبت هذه العبارة، انتابني إحساس غامض بأنها ليست لي، فكلفت السيد غوغل جهبذ المعلوماتية والثورة الرقمية، بالبحث عنها، إلا أنه لم يشبع فضولي، على غير عادته، هممت أن أشطب العبارة وأن أستبدلها بجملة استهلالية أخرى، غير أني قررت إلغاء الشك بإعلانه، وأبقيت على العبارة لأنها تبدو لي موحية ولصيقة بما أنوي الكتابة عنه.
خلال الأعوام القليلة الماضية شهد عالم الأعمال بضعة تطورات غير متوقعة، ذكرتني برقصة الفأر الحي فوق جثة الفيل الميت، التطور الأول هو قيام شركة (جيلي) الصينية بشراء واحدة من أعرق شركات صناعة السيارات في أوروبا هي شركة فولفو السويدية التي كانت رائدة في مجال السلامة لكونها أحدثت تطويرات عديدة على صناعة السيارات أبرزها حزام الأمان الذي خفض عدد ضحايا حوادث المرور بنسبة أربعين بالمئة.
عندما تم بيع فولفو لشركة فورد الأمريكية عام 1999 عمت في كل أنحاء السويد موجة واسعة من الغضب، لأن المواطنين السويديين كانوا يعتبرون فولفو «علامة بارزة في تاريخ وهوية الصناعة السويدية» كما كان أكثرهم يعتبرونها رمزاً وطنياً يتصل بسمعة السويد وكرامة مواطنيها، لكن عندما قامت شركة فورد مؤخراً ببيع فولفو لشركة جيلي الصينية التي «يقتصر إنتاجها على السيارات البسيطة»، وتعتبر من الشركات المتواضعة في عالم صناعة السيارات، لم يحتج أحد من السويديين على ذلك، ومرَّت الصفقة بهدوء! على الرغم من أن العروس – أي شركة فولفو- هي أشبه بالأميرة المدللة، بينما العريس-أي شركة جيلي-هو أشبه بالراعي الذي جاء من البرية وأخذ الأوَّلية: وهذا يذكرنا بقول جدنا المتنبي:

«مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ»

التطور الثاني الجدير بالتأمل، يتعلق بشركة نوكيا الفنلندية العريقة التي أسست عام 1865 وتطورت من شركة لصنع الخشب والورق إلى أشهر شركة في عالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. فقد تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً نبأ بيع هذه الشركة العريقة العملاقة بمبلغ 5,44 مليارات يورو لشركة مايكروسوفت الأمريكية التي أسسها في الرابع من نيسان عام 1975 شابان صغيران هما بيل غيتس وبول ألين في كراج بيت أحدهما!
صحيح أن تطورات عالم المال والأعمال المتصلة بتكنولوجيا المعلومات غالباً ما تكون غير قابلة للتوقع، لكنه لم يخطر ببال أحد أن تتداعى إمبراطورية نوكيا التي كانت أكبر بائع للهواتف المحمولة في العالم طوال أربعة عشر عاماً؛ منذ 1998 حتى عام 2012 وأن تتحول إلى شركة متعثرة! لكن إطلاق مايكروسوفت لهاتفها آيفون وبدء سامسونغ بسلسلة هواتفها الذكية جعلت حصة نوكيا تتراجع من الأسواق بشكل كبير، لدرجة أنها اضطرت من أجل الاستمرار لأن تقوم بتصنيع هواتف محمولة منخفضة النوعية ولا تتصل بالإنترنت.
كان ما جرى صادماً لدرجة أن الرئيس التنفيذي لنوكيا لم يستطع أن يسيطر على عواطفه في آخر الكلمة التي أعلن فيها عملية البيع فقال بتأثر بالغ: «نحن لم نفعل أي شيء خاطئ، لكننا بطريقة ما، خسرنا». ثم انخرط في البكاء ومعه كل فريق إدارة نوكيا!
لقد كانت نوكيا من الشركات الكبيرة الناجحة في عالمنا المعاصر، إن لم تكن أنجحها، لكن اغتباطها بنجاحها وعدم معرفتها بمنافسيها، وتباطؤها في تطوير أدائها جعلها تهوي من عليائها، فالنجاح في هذا العالم أمر صعب لكن الحفاظ عليه أصعب من الوصول إليه بكثير!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن