ثقافة وفن

أثّر في كوليت الخوري وأبكاها «سوريون».. تمسك السوري ببلده رغم النزف والألم بحكايات تلامس الواقع … فنانون: إظهار الجانب الحضاري للإنسان السوري ومخاطبة العقول وملامسة القلوب ودعوة للتأمل والحب والتضحية

| وائل العدس – تصوير طارق السعدوني

أفرج المخرج باسل الخطيب عن فيلمه «سوريون» في عرض أول وخاص، ليسلط الضوء على طبيعة المجتمع السوري في هذه الفترة المتأرجحة والقلقة التي تعيشها سورية بكل تفاصيلها وملامحها ومنعكسات ذلك على حيوات نساء يعشن تفاصيل غريبة وغير مسبوقة في نسيج من التقاطعات الدرامية المتفاعلة.
ويتناول الشريط واقع الأزمة عبر ثنائية سينمائية دمجت بين واقع الإنسان السوري وتمسكه ببلاده وسيادتها من جهة، وبين إصراره على تحرير أرضه وإعمار وطنه من جهة ثانية، إضافة إلى تجسيد بطولات الجيش العربي السوري في تحرير الأراضي السورية من دنس الإرهاب.
ويروي قصة الإنسان السوري الذي عاش آلاف السنين من الحضارات والإنجازات، قبل أن يجد نفسه في مأزق، لكنه يسعى لتجاوز أزمته مستفيداً من القيم التي تربى عليها ليعود إلى مكانه الطبيعي.
«زينة»، و«ريما» تنتميان لمكان واحد في أرض الوطن، تعيشان ظروفاً قاهرة، يتقاطع مصيرهما مع «يوسف» ووالده في جملة من الأحداث التي تحاول رواية ما يحدث في سورية في أتون لحظة النزف والألم.
الفيلم من تأليف وإخراج باسل الخطيب، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما، وتمثيل: رفيق سبيعي، وكاريس بشار، وميسون أبو أسعد، ومحمد حداقي، وعلاء قاسم، وباسل حيدر، ووائل زيدان، وجابر جوخدار، ومحمود نصر، وغفران خضور. «الوطن» حضرت العرض وكان لها التقرير التالي:

تأثير وبكاء

كشفت الأديبة كوليت الخوري أن الفيلم جيد وقد أبكاها وأثر فيها كثيراً، واستشهدت بقول أحد الكتاب الأوروبيين عندما يقول: «عندما يبكيك أي عمل فني، لا مجال للسؤال إن كان جيداً أم لا».
وعما أثر بها، قالت إنها تأثرت لأنها عاشت هذه المرحلة، مضيفة أن الفيلم يظهر قلة أخلاق البعض لكنه على الجانب الآخر يظهر مناحي نبل عبر أشخاص جيدين يعيدون إعمار منازلهم.
وتمنت لو أن الفيلم يعرض في كل دول العالم، ليكشف كذب الإعلام الخارجي.

الشغف بالوطن
وقال محمد الأحمد مدير المؤسسة العامة للسينما: إن الخطيب أتم ثلاثيته عن المرأة السورية التي بدأها بـ«مريم» وأكملها بـ«الأم» وختمها بـ«سوريون» الذي تلخصه تلك الصرخات المفتوحة التي يسمونها الشغف بالوطن، حيث يجد المرء نفسه أسير حالة شعرية وبناء درامي غريب يؤطر حكاية ربما شاهدناها مرات ومرات، هي حالة ذلك السر الكامن في القوة التأثيرية لمفرداته.

حكايات مؤثرة
من جانبه بيّن باسل الخطيب أن أي فيلم لا يمكن أن يكتمل ويتحقق ما لم يكن مشغولاً بحب، لأن الحب والشغف هما أساس نجاح أي عمل، مشيراً إلى أن فيلمه هو التجربة الثالثة له مع المؤسسة العامة للسينما وهي تجربة تميزت عن سابقاتها بأنها أكثر عمقاً ونضجاً.
وأشار إلى أن التحدي الكبير الذي واجهه هو كيفية معالجة وتقديم موضوع وأفكار معروفة لدى الناس من خلال الواقع الذي تعيشه وتعاني منه، لذلك تم العمل على إيجاد مفتاح وحلول للشخصيات من خلال حكايات مؤثرة وشفافة تلامس الواقع.

من ضحايا الوطن
يقوم الفنان القدير رفيق سبيعي بدور «أبو يوسف» الإنسان المرتبط بوطنه الذي يقف حائراً أمام الحال التي وصل إليها البلد، ويسعى جاهداً لمساعدة من حوله على التخلص من المأساة التي حلت على الجميع لكن الظروف العامة تحول دون ذلك لتحوله إلى ضحية أخرى من ضحايا الإرهاب، ويحاول لملمة رفات ما يشاهده لكن الألم يعتصر قلبه، والظروف القاسية تنهي حياته على أيدي الإرهابيين.
وأبدى سبيعي سعادته بهذه المشاركة السينمائية قائلاً: سعيد بما حمله النص من تفاعل مع الوطن وعكس الصورة الصادقة والحقيقية وتناول قضيتنا بمنتهى الشفافية، وحتى الآن لم أشهد فيلماً ملتصقاً بالوطن كهذا الفيلم.
وأضاف: من الطبيعي أن أشارك وأساهم في هذا العمل الذي يرصد الحالة الحاضرة التي يعيشها شعبنا، وهي مساهمة فعالة لتوضيح الصورة تجاه العدو الذي يستهدفنا، ومن المفترض أن تظهر الصورة وتصل كما هي، فمهمتنا كفانين تطوير المجتمع عن طريق الفن وهو واجب علينا.
وأكد أن الجمهور تأثر ببعض المشاهد على اعتبارها تتناول كل الأسر السورية، وترمز إلى المجتمع الذي يعاني التشرد والقتل والتخريب والدمار نتيجة طمع العدو الأجنبي بمنطقتنا.
وعن شخصيته التي بقيت متماسكة رغم وقوعها في أيدي الإرهابيين، شدد على أنه جسد بها الشخصية السورية، لذلك كان لزاماً أن تبقى قوية، وخاصة أنه من الكبار سناً ولكونه مثالاً يحتذى به.

الإنسان السوري
وجسدت ميسون أبو أسعد دور «زينة» التي تربطها علاقة حب بابن عمها «يوسف» وهي علاقة يسكنها الكثير من العذابات التي تنشأ لأسباب كثيرة وخاصة في ظل الظروف الاجتماعية الحالية، لكن أجمل ما في الدور هو استحضاره لكل ما هو روحي ووجداني وإنساني في الإنسان السوري العريق.
وعن مشاركتها قالت: أفتخر بمشاركتي في الفيلم، وسعيدة أننا في هذا المحنة استطعنا إنجاز فيلم لم يكتف بالقليل متذرعاً بالمحنة والزمن الصعب، بل على العكس، فإن النص جميل والممثلين محترفين، وكنت بغاية السعادة بمشاركتهم الزمان والمكان تحت إدارة مخرج متمكن يعرف ما يريد وكيف يوظف عناصره ويستثمر أجمل ما فيها سواء على صعيد الممثل أو المكان.
وأضافت: نحن بهذه الطريقة من العمل إنما نرسخ ما يريد أن يدعو إليه الفيلم من تأكيد حضارة وتمدن الإنسان السوري الفطرية التي تهددها وحشية الإرهاب وتقف على المحك أمام وحش قادم ليغير ملامحنا قبل الجغرافيا.
وختمت: صحح أن الفيلم يعكس الأزمة لكنه يرصد القيم الأخلاقية، فالأزمة تتطور وتطور معها شيء ما بداخلنا لنكون عنيفين أحياناً، لكن الجديد في الشريط ألا نتشبه بالعدو ونبتعد عن بشاعته، فعندما تسنح للبطل فرصة الانتقام يظهر الجانب الحضاري للإنسان السوري.

خطاب العقل والقلب
أما علاء قاسم الذي جسد شخصية زعيم إرهابي يقتل ويذبح قبل أن يقع في قبضة رجال الجيش العربي السوري، فرأى أن الفيلم رسالة عشق للوطن، يعالج حكاية تشبه الواقع السوري الدامي الذي نعيشه.
وقال: خلال أيام التصوير، كنا نعرف كفريق عمل ما نقوم به بكل دقة وتكثيف، اللغة البصرية الساحرة تقدم سورية كما هي في الواقع، لوحة من الجمال الأخاذ الذي يفتن القلب.
وتابع: تبدأ رحلة الفيلم لتحاكي القلب إلى النهاية، ويتطور الخطاب نحو العقل مع تطور الأحداث وتقدم مسيرته، لتكتمل اللوحة التي اسمها «سوريون» بخطاب نحو العقل والقلب.
وبيّن قاسم أن الفيلم دعوة للتأمل، دعوة للعودة إلى الحب، حب الوطن، حب العائلة، ودعوة للتضحية في سبيل الدفاع عن هذا الوطن الذي نحب.
وتحدث عن شخصيته فقال: قدمت شخصية الإرهابي الغريب عن هذه الأرض والذي يدّعي حمل لواء الدين وهو بطبيعة الحال براء من ذلك. اشتغلنا على لحظات الصمت الحيوية التي تحمل عمقاً درامياً في صراع الشخصية مع «يوسف»، لتتطور الشخصية خلال الأحداث ويتغير مصيرها ويسقط هدفها الذي تسعى إليه. مشيراً إلى أن تصوير المشاهد الحوارية كان فيه شيء من الصعوبة لأن الحوار مكتوب باللغة التركية، وهي لغة غريبة عنا وصعبة ومعقدة، لأن لها روح خاصة كما كل لغة.
وأكد أن العمل مع شركاء كالكبير رفيق سبيعي والصديق محمد حداقي يبحر بك إلى اكتشاف طرق تعبير جديدة، مضيفاً إن الوقوف أمام كاميرا المخرج باسل الخطيب يشعرك بصلابة الأرض التي تقف عليها، والثقة ببوصلته التي تقودك إلى اكتشاف مساحات جديدة من المتعة في لحظة الأداء لتصل في نهاية رحلة أشرعة «سوريون» إلى ميناء صالة العرض وتستمتع بما اشتغلت عليه طوال أيام التحضير والتصوير، وتبقى السينما دائماً ذاك الفضاء الساحر، الغني بالاكتشاف والمتعة والفائدة.

تجربة موفقة
وبالانتقال إلى ضيوف العرض، فقد أكد مصطفى الخاني أن الفيلم جميل وممتع ويخاطب العقول ويلامس القلوب، فيه لغة بصرية عالية، وقد حقق عنصراً مهماً جداً أصبحنا نفتقده مؤخراً في السينما السورية وهو عنصر المتعة.
وأضاف: من دون شك هناك ملاحظات وهذا طبيعي كأي فيلم فيه محاولة جدية لتقديم محتوى فكري ضمن رؤية فنية متميزة، ولكن بالمجمل كانت تجربة موفقة حصدت نتائج جيدة على الصعيدين الفني والجماهيري.
ورأى الخاني أن المخرج كان موفقاً جداً في اختيار أماكن التصوير الساحرة، واختيار الممثلين، وبشكل عام كان أغلب الممثلين على مستوى عال ومتميز من الأداء، وربما غلب عليهم أحياناً المبالغة أو البكائية، ولكنهم عموماً استطاعوا أسر الجمهور والتأثير فيه.
وأشار إلى أن «سوريون» هو الفيلم الثالث من ثلاثية باسل الخطيب، وأستطيع القول إن لديه أسلوبية وخصوصية تستطيع تمييزها بسهولة، وتستطيع القول «هذا فيلم لباسل الخطيب» الذي يحاول البحث في اللغة السينمائية التي أصبحنا نفتقدها في السينما السورية.
ورأى أنه كان من الأفضل عدم تقديم الأفلام على أنها ثلاثية، صحيح أن الجامع بينها المرأة السورية، ولكن هذا العامل نستطيع أن نجده في عدد كبير جداً من الأفلام السورية، مضيفاً: رأيتهم وأحببتهم كثلاثة أفلام منفصلة تفاوتت في مستواها، ففيلم «الأم» كان أقل من الفيلمين الآخرين، ربما لأنه كان مباشراً نوعاً ما، ولكن من دون شك فقد حلّق باسل الخطيب في فيلم «مريم» ونجح في «سوريون».
وتابع: بعد مشاهدتي مؤخراً لتجربتي باسل الخطيب ومحمد عبد العزيز أصبحت أكثر تفاؤلاً بالسينما السورية وبدخول دماء جديدة تطرح رؤيتها الفكرية والإبداعية ضمن سياق فني ممتع، وأرى أنه من الظلم لباسل الخطيب أنه عمل كل تلك السنوات في التلفزيون وكان ذلك على حساب السينما، فنتائجه السينمائية تجعلنا نطلب منه التفرغ للسينما، ونجاح كل تجربة تحمّله مسؤولية وعبء ما سيقدمه بعدها، لأننا كمتلقين ننتظر منه كل مرة خطوة للأمام تتجاوز وتتفوق على ما سبقها.
وختم حديثه بالقول: مبارك للسينما السورية ومبارك لأسرة الفيلم ومبارك للمؤسسة العامة للسينما، وتمنياتنا لهذه المؤسسة أن تصر على تكرار التجربة مع من يقدم نتائج جيدة من المخرجين، وأن تصر أيضاً على عدم تكرار التجربة مع من يقدم نتائج سيئة، وللأسف هم ليسوا قلائل، ورجاؤنا أن تنظر بواقعية للأجور التي مازالت تدفعها للفنانين من مخرجين وممثلين وكتّاب وغيرهم، فجميع العاملين اليوم هم شبه متطوعين مجاناً بسبب حبهم للسينما، لأن ما يتقاضونه من أجر لا يعادل 10 % مما يتقاضونه في التلفزيون سواء كان في القطاع الخاص أو حتى العام، مع العلم أن الفترة الزمنية لإنجاز الفيلم تعادل تقريباً الفترة الزمنية لإنتاج المسلسل، ولكن لا أحد يعلم لماذا لا توجد محاولات جادة لتطوير القوانين والأنظمة المتعلقة بهذا الشأن، وجميعنا يعلم أن أحد العوامل المهمة لتطوير السينما السورية هو تطوير قوانين كهذه، فأحياناً نتساءل: هل لا يعلم المعنيون، أم إنهم يعلمون ويتجاهلون؟ أمر يستدعي طرحه بجدية في ظل افتتاح فيلم سوري ناجح نأمل ألا يكون طفرة أو استثناءً، بل جزء من صناعة سينمائية سورية راسخة.

الواقع المعيش
بدورها، أوضحت سلمى المصري أن الفيلم صور الواقع المعيش في سورية، وأدى الممثلون أدوارهم بشكل مؤثر، إضافة إلى إخراج باسل الخطيب الذي دائماً ما يتميز بأعماله السينمائية والتلفزيونية.
وأكدت أن المناطق التي صور فيها الفيلم كانت رائعة وساحرة، وتمنت النجاح والتألق لكل الأعمال السورية، وختمت: مبارك لكل القائمين على هذا الفيلم من إخراج وفنانين وفنيين.

الحياة هي الأقوى
أما شكران مرتجى ففضّلت إبداء رأيها عن العرض بما قل ودل، فأكدت أن عنوان الفيلم يختصر كل التفاصيل، باعتباره يجسد صورة الموت والحب والحياة والجمال بمشاهده وأداء ممثليه بإدارة المخرج باسل الخطيب، وأنه رغم كل الموت فإن الحياة هي الأقوى وهي المنتصرة رغم قساوة الاستمرار.

سيناريو مشتت
وأخيراً، فقد أشارت الكاتبة عنود خالد إلى أن قصة الفيلم تحتوي أموراً جميلة لكنها لم تلامس الواقع الذي نعيشه، مبينة أن السيناريو كان مشتتاً بأماكن كثيرة، إضافة إلى افتقاد أبطال الفيلم أن يكونوا أشخاصاً حقيقيين يعيشون بيننا. وأضافت إن باسل الخطيب كان موفقاً بالإخراج والصورة أكثر من السيناريو، علماً أن أبطاله كانوا مرشحين ليقدموا شيئاً أكثر إقناعاً لو أن السيناريو حمل حميمية وقرباً من الواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن