اقتصاد

التجار «يشعرون بالضيق»!

| علي هاشم 

تجارنا غاضبون فعلاً؟.. من كل شيء، بدءاً بقانون حماية المستهلك وعناصر الرقابة التموينية المولكين بتطبيقه، ومن السلطات الجمركية وممارسات ضابطتها، ومن وزارة الاقتصاد وسياسة ترشيد الاستهلاك وآليات منح إجازات الاستيراد، لا بل حتى من المستهلكين ذوي الجيوب الفارغة غير القابلين للاستغلال أكثر مما هم عليه؟!
فكل شيء بات يثير حنق التجار هذه الأيام.. يرون في قانون حماية المستهلك «تشددا» إزاء لصوص الأسواق وجشعيها «الطيبين»، ويتبرمون من الرقابة التموينية لما يتخللها من تقليص لحضورهم السوريالي المتصور في حياتنا على غرار الصور الزائفة التي قدمتها مسلسلات البيئة الشامية.
كما جعلوا من عناصر المنافذ الحدودية دريئة لرفض التسعير الإداري قبل عامين، وبعد أن نشروا غسيلهم مع بعض الفاسدين فيها، انتقلوا إلى استهداف الرقابة الجمركية على الطرقات العامة متذرعين بما يكرسه التفتيش من تأخر في وصول السلع إلى الأسواق، وما إن بلغوا مسعاهم في تقييد عمل الجمارك هناك، حتى نقلوا معركتهم معها إلى الأسواق بذرائع كاريكاتورية من طراز «هتك الصورة الحضارية للأسواق» و«سلطوية عناصر الضابطة» في التعاطي مع مهربيها.
ورغم أن التهريب بيّن، والمنتج النظامي بيّن، فقد حصلوا عبر «بدعة التشاركية» على مكسب يخول أحد ممثليهم مرافقة الدوريات الجمركية على الأسواق المتخمة بالتهريب، قبل أن ينبري أحد أعضاء غرفة تجارة دمشق مؤخراً إلى إطلاق مطلب جديد لتهدئة «قلق» المهربين – تجاراً وأصحاب محال- من «تعرضهم لمخالفات جمركية مبالغ فيها» من دون أن يشرح مغزى قوله «مبالغ فيها» في ظل الوضوح الشديد للقانون، والدور القائم للمحاكم الجمركية؟!
في «ندوة الأربعاء التجاري» الأخيرة، تقدم التجار مجدداً في حنقهم، فصوبوا على «ترشيد الاستيراد» معلنين إخفاقه في ضبط أسواق السلع والنقد، ورغم ما يفتضحه رأيهم القاطع هذا من تورطهم المحتمل في إفشاله، فإن تفهم مدير اقتصاد دمشق «ممثل الحكومة خلال الندوة» لـ«أحقية طروحاتهم ومشاكلهم»، واكتفاءه بإجابة انهزامية قائلا: «أجوبتها ليست عندي»، فقد ذهب التجار إلى محاولة تعليق «حبل» توقهم الجامح لمراكمة الأرباح، على شماعة المواطن ذي المصلحة في زيادة العرض!
قد يخيل للمرء أن مدير اقتصاد دمشق (أصبح بعد اللقاء مدير مديرية التجارة الخارجية في الوزارة) يمثل حكومة أخرى غير تلك التي أقرت سياسة ترشيد الاستيراد كإجراء فرضه الخلل المتعاظم في بنية الاقتصاد الوطني، إلا أنه -في الواقع- يمثل بعضا كثيراً من الحكوميين الذين تحولوا لمجرد «بصمجية»، ما إن يضع التجار إصبعهم على كلمة في قانون أو قرار أو ممارسة، حتى يتراكضوا لتوليف ما يستجيب لمصلحتهم.. حصل الأمر مع الجمارك، فوصلت بنا الأمور إلى فضائح تهريب باستخدام مؤسسات اقتصادية، وحصل أيضاً في قطاع الرقابة التموينية التي تريث أحدهم لنحو عام «وفضيحة في مجلس الشعب» قبل إصدار التعليمات التنفيذية لقانونها!
يعتقد التجار أنهم حانقون على الحكومة لدورها في كبح تطلعاتهم لتحويل البلد إلى «مناطق حرة» لا رقيب عليها ولا حسيب.. لكنهم قد يفاجؤون بالمعنى الحقيقي للحنق الذي يكنه المواطنون لهذه الحكومة بسبب تماهيها مع مصلحة التجار على حساب اقتصادهم ومعيشتهم؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن