قضايا وآراء

نكبة عربية أُخرى

صياح عزام:

 

صدق المثل القائل «ليس من سمع كمن رأى وليس من رأى كمن لمس»، إن من يشاهد على الشاشات صور القتل والذبح والدمار الهائل نتيجة الإرهاب التكفيري الذي ضرب ولا يزال يضرب عدّة دول عربية، بدءاً من تونس وليبيا، مروراً بالعراق وسورية ومصر، ولاحقاً آثار وتداعيات الحرب السعودية على شعب اليمن، يدرك تماماً أن نكبة عربية جديدة حلّت بالوطن العربي بعد نكبة فلسطين عام 1948.
نتيجة للفظائع الناتجة عن هذه الحروب الداخلية التي أُشعلت نيرانها عمداً من قبل الأميركيين وحلفائهم وعملائهم على الساحتين الإقليمية والعربية، عمّت الفوضى وساد القتل العشوائي الفردي والجماعي، وهُجِّرت أعداد كبيرة من سكان البلدان المذكورة ما بين أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات حيث لجؤوا إلى دول أخرى بحثاً عن الأمان والعيش الكريم بعد أن حوّلت عصابات إرهابية مسلحة بلادهم إلى جحيم.
لاشك أن ما جرى ويجري منذ أربع سنوات لم يكن /ابن ساعته/، بل جاء تنفيذاً لخطة جهنميّة وضعتها أوساط أميركية- غربية- إسرائيلية- تركية، ممن يكره أصحابها الأمة العربية، ويكرهون الإسلام كدين سماوي يدعو إلى التسامح والعيش المشترك وعدم نبْذ الآخر أو إقصائه. وهذا يؤكد ما أشرنا إليه في بداية الحديث، وهو أن النكبة الأولى عام 1948 باغتصاب فلسطين وتشريد أهلها، تتكرّر الآن أمام أعيننا بنكبة ثانية تلحق الدمار بعدة أقطار عربية وتشرد جزءاً كبيراً من شعوبها، وتجعل أهلها لاجئين هنا وهناك، ولكن مع تشابه النكبتين من حيث ارتكاب المجازر وتشريد المواطنين الأصليين من ديارهم وتدمير كل شيء، هناك فارق جوهري بين النكبتين، وهو أن النكبة الجديدة تُشارك فيها مباشرة أنظمة عربية بالمال والسلاح والرجال مثل السعودية ومشيخة قطر، وتساهم فيها أنظمة عربية أخرى معروفة بولائها للأجندة الأجنبية وعلى رأسها النظام الأردني الذي له باع طويل في خدمة أسياده في الخارج.
وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة كتب عنها العديد من الخبراء والمحلّلين السياسيين، وهي أن دبلوماسياً إسرائيلياً كتب في الثمانينيات من القرن العشرين بعد حرب تشرين المجيدة عام /1973/ بعدة سنوات عن إستراتيجية وُضعت منذ ذلك الوقت، تقضي بتفتيت الدول العربية وخاصة منها الدول الفاعلة عربياً مثل سورية ومصر والعراق من الداخل، من خلال إذكاء نار التناقضات وخلق عوامل الصراع الداخلي والاحتراب الأهلي بين سكانها (كما يجري الآن تماماً في عدة أقطار عربية وخاصة في سورية والعراق وليبيا وحتى في لبنان بين الحين والآخر).
اسم الدبلوماسي الإسرائيلي «يانون» كتب عن هذه الإستراتيجية في مجلة(كفونيم) الناطقة باللغة العبرية والتي تصدر عن المنظمة الصهيونية العالمية، بالطبع هذه الإستراتيجية بما فيها من أفكار هدّامة، ولاسيما تفتيت المجتمعات قبل تفتيت الدول قد راقت للأجهزة الإسرائيلية خطورتها، لذا أشركت فيها أجهزة غربية أميركية وأوروبية حليفة لمنع تكرار حرب تشرين التي شارك فيها بعض العرب بالرجال والسلاح والأموال والضغط السياسي (ولو أن تلك المشاركة كانت «جزئية»).
إن هذه النكبة الجديدة التي تتوالى حلقاتها وفصولها والتي كانت الحرب السعودية على اليمن تحت اسم «عاصفة الحزم» آخرها، وقد لا تكون الأخيرة في مسلسل التآمر على العرب، هذه النكبة الجديدة ليست منفصلة عن النكبة الأولى من حيث المسؤولون عنها وعن دوافعها وخلفيّاتها السياسية. وهذا ما يُحتّم على العرب الشرفاء التنبّه لحقيقة ما يجري والتصدي للمخططات الهدّامة التي تستهدف العرب جميعاً ولكن بالتدريج، ولا نجانب الحقيقة عندما نقول إن سورية كانت وما زالت السبّاقة إلى استشراف الأحداث وتحذير العرب من أنهم مُستهدفون جميعاً ولكن- مع الأسف- تجاهل الكثيرون هذه التحذيرات لغاية في نفس يعقوب كما يقال، وبالتالي لا حياة لمن تنادي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن