قضايا وآراء

حول وقف العمليات القتالية: خيار الضرورة انعكاس للتطورات الميدانية والسياسية

| فيينا – دينا دخل الله 

يثير هذا الحدث تساؤلات عديدة. وهذا أمر طبيعي لأن الأمر يتعلق بوثيقة توصلت إليها أقوى قوتين عالميتين، روسيا والولايات المتحدة، وتتعلق بحرب سيتوقف على نتائجها الشكل الذي ستكون عليه العلاقات الإقليمية والدولية في المستقبل.

منهجية المصطلحات
لابد من تحديد المصطلحات التي تتردد يومياً على لسان المسؤولين وتضمنها البيان الروسي – الأميركي الذي نحن بصدد تحليله:
1. بيان أم اتفاق؟ هو بيان نيات، وليس اتفاقاً. لأن الاتفاق يتم بين الجهات التي عليها وقف إطلاق النار وليس بين وكلائها.
2. وقف عمليات أم وقف إطلاق النار؟ وقف عمليات عدائية، هذه هي الترجمة الحرفية للمصطلح الذي ورد في بيان ميونخ والبيان الذي نحن بصدده (Cessation of hostilities). ولقد وضح الرئيس الأسد الفرق بين المصطلحين بقوله إن وقف إطلاق النار يتم بين جيوش نظامية لذلك فإن المصطلح الأفضل هو وقف العمليات القتالية (مقابلة مع صحيفة الباييس الإسبانية) في (21شباط). من جهته قال وزير الخارجية الأميركي كيري في المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية الروسي لافروف بعد اجتماع ميونخ (12 شباط) ما يأتي: «إن وقف إطلاق النار مرتبط بمتطلبات قانونية لذا فإن المصطلح المناسب هو وقف العمليات القتالية أو العدائية»..
3. هل للبيان شرعية في القانون الدولي؟ تم إعطاء البيان شرعية دولية عبر القرار الأممي رقم (2268) وبهذا أصبحت الخطة ذات طابع أممي. لنتذكر أن بيان (جنيف1) اكتسب شرعية بالقرار الأممي رقم (2118) وبيان فيينا بالقرار (2254).
4. هل هو ملزم للأطراف؟ هو ملزم بسبب تبنيه من مجلس الأمن وموافقة الأطراف عليه.

ماهية البيـان
ينقسم البيان إلى قسمين الأول يتعلق بالمضمون، أي بمسؤولية الأطراف، والثاني بالإجراءات، مع التأكيد على أن مفعوله لايسري على المجموعات الإرهابية.
1. المضمون (مسؤولية الأطراف) بإيجاز:
– وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة ضد القوات المسلحة للجمهورية العربية السورية وجميع القوى المرتبطة بها (هذا النص يشترط أيضاً التزام القوات المسلحة السورية بوقف الهجمات على الطرف الآخر).
– التوقف عن كسب أي أراض جديدة.
– الاستخدام المتناسب للقوة عند ضرورة الدفاع عن النفس (أي أن الدفاع ينبغي أن يكون متناسباً مع حجم الهجوم وليس أكثر منه).
– السماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع للمساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق.
– إعلان الاستعداد للمشاركة في المفاوضات السياسية في جنيف.
2. الإجراءات:
– قبول البيان من الأطراف والبدء بتنفيذه الساعة صفر من صباح السبت.
– تشكيل (مجموعة عمل لوقف الأعمال العدائية) برئاسة مشتركة من الولايات وروسيا تحت إشراف الأمم المتحدة مهمتها:
– تحديد المناطق التي تقع تحت سيطرة المجموعات الإرهابية.
– ضمان التواصل بين جميع الأطراف لتعزيز الالتزام بمضمون البيان، ونزع فتيل أي توترات تظهر.
– حل أي اتهامات متبادلة حول عدم الالتزام بمضمون البيان.
– إحالة غير الملتزمين إلى (المجموعة الدولية لدعم سورية) التي تأسست في فيينا قبل فترة وذلك بغية استثنائهم من الهدنة..

تقييم البيان:
تحدٍ جديد يمكن أن يكون معضلة أو فرصة
1- التقييم العام:
جاء البيان، بوجه عام، نتيجة لتطورات نوعية على الصعيد الميداني والسياسي. ميدانياً: أنهت إنجازات الجيش العربي السوري أي وهم بالقضاء على سورية وفق الأهداف الأولية للمؤامرة. أما سياسياً فقد انعكس هذا الواقع الجديد من الصمود السوري على مجمل العلاقات الإقليمية والدولية.
لذا يمكن القول بوجه عام، إن البيان يعكس الموازين الجديدة بين الدولتين العظمين، وهو بالنسبة لنا أقل سوءاً من أي خيار آخر يريده أعداء سورية، وبما أنه أقل سوءاً فهو الخيار الأفضل بين خيارين (كما حصل مع أزمة السلاح الكيماوي حيث اختارت سورية الخيار الأقل سوءاً لأن الخيار الآخر – أي العدوان الأميركي – كان الأسوأ بشكل مطلق).
وكأي تطورٍ دولي مهم يُعد البيان تحداً جديداً لسورية بمعنى أنه يمكن أن يكون معضلة سلبية ويمكن أن يكون فرصة إيجابية. الذي يقرر بين المعضلة والفرصة هو استمرار صمود سورية وتعاملها الميداني المندفع والسياسي المخضرم مع التطورات.
ونضيف هنا أن واحداً من أهم أسباب تغيير ميزان القوى بين روسيا وأميركا عما كان عليه من قبل هو صمود سورية في وجه هذه الحرب البشعة. وهذا يشرح معاني التحالف السوري الروسي بمعنى أن فيه مصلحة للطرفين.
2- السـلبيات:
1. من وجهة نظر شكلانية القانون الدولي، يتعلق البيان بجغرافية دولة ذات سيادة وعضو مؤسس في الأمم المتحدة (سورية) دون أن تكون هذه الدولة موجودة ومشاركة في وضع البيان. يغطي هذه السلبية ويقلل منها عدة أمور: 1- إن منهج السياسة الواقعية يتطلب تصرفات خارج الشكلانية القانونية لتحقيق أهداف مرجوة. 2- إن سورية وكلت روسيا بالحديث عنها مع الدوائر الدولية بسبب المقاطعة، وهذا يدخل ضمن السيادة السورية. والمسؤولون الروس يؤكدون دائماً أنهم ينسقون تفصيلياً مع القيادة الشرعية السورية (تعبير «الشرعية» يردده الروس منذ الانتخابات الرئاسية في سورية). 3- قرار مجلس الأمن المذكور أكسب البيان شرعية دولية، 4- قبول الحكومة السورية جعله خاضعاً للسيادة السورية أخيراً.
2- لم يتم الاتفاق حتى الآن على تسمية المنظمات الإرهابية وغير الإرهابية، بمعنى أنه لم يتم تفسير الجملة الواردة في قرارات الأمم المتحدة ووثيقتي فيينا وميونخ وهي (المجموعات الإرهابية الأخرى)، فالاتفاق موجود فقط حول النصرة وداعش، لكن هناك مجموعات مختلف عليها مثل جيش الإسلام وأحرار الشام. في المؤتمر الصحفي لكيري ولافروف بعد اجتماع ميونخ، قال لافروف:«يجب ألا ننسى أن الموجودين في ريف حلب منظمات إرهابية من أحرار الشام وجيش الإسلام ومجموعات أخرى»..
3- إن البيان لم يذكر العامل الأهم في مكافحة الإرهاب وهو أن تتعهد الدول الداعمة للإرهاب بوقف دعمها وذلك تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن وخاصة (2170 و2178و2253)، وأن توضع آلية دولية للتحقق من هذا الأمر. وكان الرئيس الأسد أول من اقترح هذا الأمر كمرحلة أولى تسبق الحوار السوري – السوري في خطته الشهيرة (كانون الثاني 2013).
3- الإيجابيات:
الايجابيات تقرأ في إطار ما يسمى عادة (بفقه الضرورة) الذي يفرض أحياناً على الدول أموراً ضرورية وإن كانت في الأحوال العادية غير مقبولة.
1- البيان مرحلة متقدمة في الحوار الروسي – الأميركي الذي يعد استمراره أفضل من المواجهة.
2- وهو وثيقة أخرى جديدة تركز على محاربة الإرهاب، أقله داعش والنصرة..
3- كما أنه محرض مهم للاتفاق على لائحة التنظيمات الإرهابية، وهو ما طالبت به وثيقة فيينا(2) بتاريخ 14 تشرين الثاني 2015 وفشلت الأردن في وضع اللائحة.
4- البيان يسهم في تحقيق المطالب الروسية مستقبلاً بعد أن كانت واشنطن تدير لها ظهرها، وهي ضرورة تشكيل مركز استشاري دولي تنسق فيه جهود مكافحة الإرهاب. وتعد المجموعة الحالية التي تتابع وقف إطلاق النار تمهيدا جيداً لانشاء مركز استشاري دولي في المستقبل.
5- البيان ينهي عملياً التعنت التركي السعودي (منطقة آمنة وقوات برية) ويعزل البلدين بعد أن أخذت واشنطن الأمور بيدها مباشرة (مع موسكو). الدليل هو غضب اردوغان وشتمه روسيا وإيران وأميركا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والناس أجمعين. والبيان كذلك يسهم في تفجير الخلاف بين أنقرة وواشنطن حول وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
6- لأول مرة بالنسبة لأميركا يستخدم البيان مصطلح «القوات المسلحة للجمهورية العربية السورية»، وهذا المصطلح يعني اعترافاً أميركياً بشرعية هذه المؤسسة ومهامها على الأرض السورية باعتبارها خاضعة لمفهوم سيادة الدولة. كان الأميركيون قبل ذلك يستخدمون مصطلح «جيش النظام»..
7- البيان يشكل خطوة ضاغطة باتجاه تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الإرهاب وخاصة 2253 (وقف تجارة النفط والتمويل والتسليح والعبور وغيرها).
8- البيان يعطي موافقة أميركية صريحة على عمليات الجيش العربي السوري والطيران الروسي «ضد داعش والنصرة والمجموعات الإرهابية الأخرى».
9- البيان يعزز الجهود الروسية «لتوريط» واشنطن و«احتوائها ديبلوماسياً» في مكافحة الإرهاب وعدم التوجه نحو خيارات أخرى قد تثير حرباً عالمية كارثية..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن