ثقافة وفن

مظلة معرفية للأدب المقارن…

| د. راتب سكر

ثمة إشكالية في مصطلح «الأدب المقارن»، الذي تشير دلالته اللفظية إلى وجود أدب (شعر أو نثر) تمت مقارنته بغيره، على حين المقصود بدلالته الاصطلاحية (بحسب تعريفه في أيامنا بعد مرور نحو قرنين على نشأته)، وجود دراسات أدبية ونقدية عنيت بدراسة أدب من الآداب، في جانب من جوانب صلاته وعلاقاته وتفاعلاته الأدبية والثقافية والاجتماعية المتنوعة الشاملة خارج حدوده اللغوية والقومية.
يعد معظم الباحثين في تاريخ «الأدب المقارن»، ونشأته، الباحثين الفرنسيين فرانسوا آبل فيلمان (1790-1870م)، وجان جاك آمبير(1790-1870م)، المؤسسين الحقيقيين لنشأة دراساته، وترسيخ مصطلحه، لما قدماه في باريس، من دراسات أدبية في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر.
راح الأدب المقارن، بكتابات فيلمان وآمبير ومحاضراتهما، يعلن عن ولادته فرعا بين فروع الدراسات الأدبية، معززا استقلاله باطراد عن دراسات النقد الأدبي وتاريخ الأدب وغيرهما من أقسام علم الأدب وفروعه.
لم يكن فهم «الأدب المقارن»، وتعريفه، لديهما مطابقا لمآلهما اليوم، بعد مرور نحو قرنين من الزمان، غير أنهما لا يختلفان عن هذا المآل جوهرا، إذ كانا يضيقان من فرص الاعتراف باتساع تلك الجوانب والصلات، المشار إليها في الأسطر السابقة، ويضعان شروطا مسبقة أمام اعتراف الأدب المقارن بها ودراستها، من أهمها الشرط التاريخي الذي رسخه آمبير، مؤكداً ضرورة وجود روابط تاريخية فعلية بين صاحب الأدب المدروس وروافده الخارجية، وجاعلا من اكتشاف تلك الروابط وإثبات وجودها التاريخي، إحدى المهمات الجوهرية للأدب المقارن.
ظهر مصطلح الأدب المقارن في مطلع الربع الثاني من القرن التاسع عشر في فرنسا، عندما ألقى فيلمان عام 1829م في جامعة السوربون دراسات أدبية تتناول الأدب الفرنسي في علاقاته بالآداب الأوروبية، وسمّى هذا الاتجاه من الدراسات الأدبية «الأدب المقارن».
اختلفَ الدارسون والباحثون من أيام فيلمان، وما زالوا يختلفون حول الدقة العلمية لهذا المصطلح مؤكدين أنه مصطلح خادعٌ مُخاتل غير أن مقترحات مصطلحات بديلة كانت تصطدم مرة بعد مرة بالانتشار الواسع لمصطلح الأدب المقارن، وسهولة تداوله ورسوخه.
كما اختلف الدارسون على الدقة العلمية للمصطلح، اختلفوا على تعريف هذا العلم وترسيم حدوده وميادينه، ولعل اختصار الاتجاهات المختلفة في هذا المضمار، يمكن استيعابها تحت المظلة المعرفية الواسعة لدراسة الأدب في علاقاته الخارجية خارج حدوده اللغوية والقومية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن