قضايا وآراء

السعودية والبيئة الإقليمية

| مازن بلال 

خرج قرار السعودية باعتبار حزب الله منظمة إرهابية من إطار الضغط على لبنان ليصبح حالة إقليمية، فوسط قلق من مخاطر صدام دولي في شرقي المتوسط، ومحاولة موسكو وواشنطن إدارة خلافاتهما في سورية؛ يبرز التصعيد السعودي كمحاولة من خارج السياق لإعادة رسم العلاقات الإقليمية، فإمكانية ظهور محاور جديدة تطفو على نوع من «التحضيرات» لخلق بيئة مختلفة، والمؤشر الأساسي في هذا السياق هو خلق حالة فصل واضحة داخل أزمات المنطقة، فالرياض تتطلع إلى تغير في السياسات الأميركية بعد الانتخابات هذا العام، وتقوم بصياغة بنية يمكن من خلالها ليس عزل إيران فقط بل تبديل الأولويات، فمسألة الإرهاب التي تشغل العالم اليوم تكتسب شكلا آخر لتصبح مبرراً لصدامات جديدة.
عمليا تستند السعودية في تشكيل البيئة الإقليمية القادمة إلى تجاوز ما يشكله «الكيان الإسرائيلي»، حيث تنهي حالة «الاعتدال» التي وسمت موقفها منذ ظهور «إسرائيل»، وتشكل مع الكيان قاعدة مشتركة في إعادة رسم المنطقة، فالمسألة ليست مجرد تعاون بل إحداث تحول بنيوي يجعل السياسات «الإسرائيلية» مكوناً مشتركاً يمكن الاعتماد عليه في بناء العلاقات الإقليمية، وهذا «التطابق» في السياسات هو مصدر القوة التي تريدها الرياض، وترى فيها أساساً لمستقبل علاقاتها حتى مع الولايات المتحدة.
السؤال المحوري في التصعيد السعودي يبدأ في الآليات التي تعتمدها الرياض، حيث نستطيع تمييز أمرين أساسيين: الأول هو خلق حالة استفزاز واضحة وهو ما يجعل خبراً مثل زيارة «وفد إسرائيلي» إلى السعودية غاية بذاته؛ لأنه يوجد قطيعة على مستوى العلاقات الإقليمية مع محور الصراع القديم الذي شكل الشرق الأوسط منذ النصف الثاني للقرن العشرين، وفي الوقت نفسه ينقل المنطقة باتجاه فرز مسائلها الأساسية لتخرج عن العداء لـ«إسرائيل»؛ فالرياض توجد مساحة «أمان» للكيان الإسرائيلي من خلال «طوق مذهبي».
الأمر الثاني هو إيجاد دائرة تدمير لكل ممكنات الصراع مع «إسرائيل»، والواضح أن الموقف السعودي قلق من «النموذج المقاوم» سواء على مستوى الدولة أو التشكيلات العسكرية، حيث اكتشف مرونة التحالفات داخل هذا النموذج، وهو ما جعل موقف الرياض أوسع من «القطيعة» مع المقاومة؛ ليصل إلى المواجهة السياسية والضغط عبر العامل الاقتصادي، لكن في المقابل فإن «تدمير» مؤسسات الدولة داخل النموذج المعادي لـ«إسرائيل» فقد ممكناته الواقعية، وأعاد رسم «الجبهات» ما دفع الرياض إلى وضع الأمور ضمن المواجهة المباشرة سواء مع سورية أو حزب الله أو حتى العراق.
وفي الوقت الذي يظهر فيه الإرهاب كعامل أساسي في تشكيل النظام الدولي، فإن ظاهرة الإرهاب يتم تظهيرها بشكل مختلف في المنطقة وفق قاعدة سعودية؛ تضع «المنظمات التكفيرية» عاملاً في إحداث تغيرات جيوستراتيجية على مستوى المنطقة، فالإرهاب بالنسبة للرياض يشكل العلاقات الإقليمية ويبني محوراً يعطي للسعودية دورها الإقليمي، فالتكفير لم يكن حالة طارئة بالنسبة لها بل هو من صلب سياساتها منذ بروز هذا العامل في أفغانستان بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
رغم تصاعد أعداد الضحايا في اليمن وسورية والعراق، فإن إشعال جبهة جديدة في لبنان لا يبدو بالنسبة للرياض أمراً «مستهجناً»، فهي مهتمة ببناء «المحور» الذي تريده والقائم أساساً على «التوتر» واستحداث صراعات جديدة، وتبدو الرياض غير مبالية بزيادة الضغوط الأوروبية تجاه حربها في اليمن، لأنها في النهاية جزء من الظاهرة الإرهابية كلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن